أفضل المفاوضات تُربح قبل أن تبدأ”، قد يكون أدق ما قيل عن عمليات التفاوض والتسوية، وقد يعكس عنوان الفترة الأميركية – الإيرانية، على أعتاب مرحلة جديدة مع دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وعودة الحديث عن اتفاق نووي جديد، وعمل كل طرف على كسب الأوراق الرابحة ورفع السقوف والتحضير لتحصيل المكتسبات.
الأسبوع الأخير كان حافلاً بالمواقف الأميركية والإيرانية التي قد تشير إلى أن مرحلة المفاوضات بين الطرفين قد تبدأ قريباً، وكل ما هو عكس ذلك قد يكون في سياق تحسين الشروط والمواقع. ترامب أعاد تفعيل “سياسة الضغط القصوى” على إيران، لكنه أعلن صراحة رغبته في التوصّل إلى اتفاق معها، مع العلم بأن إسرائيل لا تستسيغ هذا النوع من المواقف، فيما قابله المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بتصعيد مستبعداً إجراء المفاوضات.
المتخصّص في الشؤون الأميركية عقيل عباس يقول إن إدارة ترامب “متعطّشة” للدخول في مواجهة مع إيران، ولكنها تلوّح بـ”المطرقة العسكرية الإسرائيلية” لا الأميركية، فيما يفصّل الكاتب والباحث السياسي حسن منيمنة هذا الواقع مشيراً إلى توجّهين متعارضين داخل البيت الأبيض، الأول يدعو لضربة، يناصره نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية مارك روبيو، والآخر يدعو للتسوية.
ويتفق عباس ومنيمنة على أن القرار النهائي “بيد ترامب”، هذه الشخصية التي “لا يمكن التنبّؤ” بقراراتها، لكن منيمنة يرى أن “الأولوية الأميركية ملفّ غزّة وتهجير الفلسطينيين” ليصار بعده إلى بحث ملف إيران، وإن كان مقرّبون منه في الإدارة يفضّلون الخيار العسكري، فإن منيمنة يرى أن قدرتهم التأثيرية موجودة لكن القرار عند ترامب الذي “لا يحب أن يكشف توجّهاته وقد يفاجئ” بطرح القضية.
اتفاق ولكن بشروط ترامب
ويرى الباحثان أن واشنطن وطهران تريدان اتفاقاً، وتصريح خامنئي يمكن التراجع عنه، لكن ترامب يريد اتفاقاً مغايراً لما تم توقيعه عام 2015 وفق عباس، الذي يقول إن الإدارة الأميركية تريد “الحدّ من نفوذ إيران الإقليمي، تفكيك الصواريخ البالستية وتفكيك البرنامج النووي”، وترامب يخيّر إيران بين السيّئ والأسوأ، أي الضربات العسكرية أو الاتفاق الذي يشمل تطبيق النقاط الثلاث “وليس التفاوض عليها”.
ضربة عسكرية محتملة
تطرّق ترامب إلى النقاط الثلاث يمثّل مسّاً بخطوط حمراء بالنسبة إلى النظام الإيراني، لأن قدراته العسكرية تتمثّل بنفوذه والصواريخ والبرنامج النووي، وبالتالي قد يصل المسار الديبلوماسي إلى أفق مسدود، ما قد يدفع باتجاه سيناريوات عنفية، وفي هذا السياق، يرصد عباس أفكاراً تراود بعض صقور الإدارة الأميركية، تقوم على “إطاحة النظام الإيراني”، لكنه يستبعد لجوء ترامب إلى هذا الخيار.
الضربة العسكرية ضد مصالح إيران النووية والصاروخية تبقى خياراً مطروحاً مهّدت إسرائيل طريقه قبل أشهر حينما استهدفت دفاعات جوّية في محيط مواقع إيرانية، لكن منيمنة يستبعد ضربات عسكرية خلال المراحل التحضيرية، أي الأولى من ولاية ترامب، ولا يتوقّع تطورات خطيرة في المرحلة الحالية رغم الرغبة الإسرائيلية بعمل عسكري، لكن هذا الطرح يبقى وارداً.
في المحصّلة، فإن الطرفين لا يزالان في مرحلة جسّ النبض وتحيين الأرضية السياسية قبل حسم القرار بالتوجّه نحو مسارات ديبلوماسية أو عنفية تصعيدية، لكن ما هو مؤكّد أن ترامب الذي وصل بمشاريع وطروحات “مجنونة” لن يرضى باتفاق يمنح إيران هامش تحرّك واسعاً، وهو مدعوم برغبة إسرائيلية للجم إيران بعمق أكبر، فهل تتقدّم حظوظ التسوية أم العسكرة؟