تنافس 6 كتّاب يحمل 3 منهم اسم بول على تكريم قيمته 50 ألف جنيه استرليني وحصد لينش اللقب عن روايته البائسة عن إيرلندا في ظل استبداد مطلق لكنها قد لا تصمد أمام اختبار الزمن
نظراً لوصول ثلاثة كتاب يحملون اسم بول إلى القائمة المختصرة في جائزة بوكر الأدبية لعام 2023، بدا أن احتمال فوز كاتب يدعى بول بها كبير جداً. وفي النهاية، تبين أن بول لينش هو الذي يستطيع التباهي بالفوز والاستمتاع بالمكافأة المالية التي تبلغ قيمتها 50 ألف جنيه استرليني عن قصته الخانقة بطريقة مروعة “أغنية النبي” Prophet Song الصادرة عن دار “وَن ورلد” للنشر. لا شك أن الرواية التي تدور حول إيرلندا متخيلة بائسة في المستقبل القريب تتجه نحو الطغيان، هي عمل قوي، لكن فوزها خيارٌ غير مستساغ. بالطبع، إن انتقاء الكتب المفضلة أمر شخصي للغاية، لكن بالنسبة لي، فإن الرواية المتميزة ضمن القائمة المختصرة كانت من تأليف رجل إيرلندي آخر يدعى بول، وتحكي دراما عائلية مأساوية مروية على لسان شخصيات عدة للكاتب بول موراي، وعنوانها “لسعة النحل” The Bee Sting، صادرة عن دار “هيمش هاميلتون” للنشر.
على رغم أن رئيسة لجنة تحكيم دورة عام 2023، إيزي إدوغيان، التي وصلت بنفسها مرتين إلى بوكر ، بذلت قصارى جهدها لتوضيح أن أياً من الأعمال الستة يستحق الفوز بسهولة، إلا أنه في الحقيقة لم يكن من المرجح أن يكون الفوز من نصيب عملين أولين هما “الممر الغربي” Western Lane للكاتبة شيتنا مارو (صادرة عن دار بيكادور) أو “إذا نجوت بعدك” If I Survive You لجوناثان إسكوفري (عن دار فورث إستيت)، إذ لم تكن أي منهما مميزة بدرجة كافية للفوز. وكذلك فإن رواية “دراسة عن الطاعة” Study for Obedience للكندية سارة برنشتاين (عن دار غرانتا بوكس) بدت دخيلة أيضاً. وعلى نحوٍ موازٍ، بدا من الصعب أن نرى رواية “إنها عدن الأخرى” This Other Eden الرائعة للكاتب بول هاردينغ (عن دار هاتشينسون هينمان) التي تدور حول جماعة من المنبوذين تواجه تطهيراً عرقياً، تكسب دعماً من أعضاء لجنة التحكيم بما يكفي للفوز بالجائزة.
واعترفت إدوغيان بأن الاختيار النهائي “لم يكن بالإجماع”. وقد جاء عقب اجتماع عقد يوم السبت واستمر ست ساعات مع زملائها في لجنة التحكيم، هم الممثلة أدجوا أندوه، والشاعرة ماري جين تشان، وأستاذ الأدب جيمس شابيرو والكاتب ونجم برنامج “صندوق الفرجة” روبرت ويب. أتفهم السبب وراء حصول كتاب لينش على مؤيدين، إذ قضى المؤلف أربع سنوات في كتابة قصته التي تدور حول المعلم المدرسي والنقابي لاري ستاك، زوج وأب اعتُقل وسجن من قِبَل قوات حكومية قمعية فيما واصلت إيرلندا إنزلاقتها نحو الطغيان الشمولي. حدث اعتقال لاري المفاجئ من قبل الشرطة السرية الحديثة التشكيل بمثابة حافز كي تدرك الزوجة إيليش أن “الدولة التي يعيشون فيها أصبحت وحشاً”.
من خلال إسناد بطولة الرواية إلى إيليش، العالمة والأم لأربعة أطفال، يستكشف لينش بشكل لا يُنسى أحاسيس الرهبة والخوف وعدم معرفة مكان أقاربك بينما تحاول فهم الكابوس المصاحب لمجتمع ينهار. وبحسب تعبير لينش في الرواية، فإن إيليش “تعيش في ظلام وتسير في أزقة الفكر المسدودة”، وتهاجمها أفكار محمّلة بالندم عن معنى أن تكون تحت رحمة قوى لا يمكن التنبؤ بها لكنها تتولى فجأة مسؤولية بلد مضطرب.
استخدمت إدوغيان بشكل متكرر عبارة “تجربة عميقة” لوصف قراءة “أغنية النبي” التي تظهر فيها تقنيات لغوية حقيقية ومبتكرة تتبدى في فقرات شعرية كثيفة متجانسة، تصور بطريقة حية الحصار الذي تعيشه إيليش تحت رحمة قوى شريرة. ووصف لينش الكتاب بأنه، في جزء منه، محاولة “للتعاطف الراديكالي”، يجذب القارئ ببطء ويغمره، بحيث يشعر في النهاية بمشكلات إيليش كأنها مشكلاته. إنه ينجح في تحقيق هذا، حيث يحس المتلقي بألم أم تحاول بيأس حماية أسرتها.
إن “أغنية النبي” رواية عن واقع بائس، على رغم تأكدي من أناعضاء لجنة التحكيم لم يستمدوا قرارهم “بطريقة مباشرة” (بحسب تعبير إدوغيان) من الحوادث الأخيرة في دبلن، وما من شك في أن فرص “أغنية النبي” لم تتضرر بسبب المخاوف الاجتماعية والسياسية الحالية. بدأ لينش، الحائز على جائزة “جينس دو مير” لعام 2022 عن روايته البحرية “ما وراء البحر” Beyond the Sea، بكتابة “أغنية النبي” قبل أربع سنوات حينما كانت الحوادث في سوريا تتجاوز كونها مجرد عامل محفز. ونظراً للانتشار المقلق بشكل متزايد للشعبوية اليمينية والنظرة المؤثرة التي يرى بها لينش الطريقة التي أدت بها المعلومات الخاطئة والمضللة إلى تراجع الثقة في مصادر السلطة التقليدية، أخشى أن موضوع روايته سيظل وازناً لوقت طويل.
في المقابل، تتمحور شكوكي الجدية حول الادعاء بأن الفائز ببوكر لهذه السنة (الفائز السادس والخمسون منذ انطلاق المسابقة عام 1969) “سيصمد بعد هذه الحقبة” (بحسب إدوغيان) أو أن الناس سيستمرون في قراءة العمل “بعد 50 عاماً” (بحسب غابي وود، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة جائزة بوكر). لقد أحببت العمل الذي كتبه مؤلف اسمه بول وفاز سابقاً بالجائزة. في عام 1977، بدت رواية “المثابرة” Staying On لبول سكوت رائعة للغاية لدرجة أن رئيس لجنة التحكيم آنذاك، فيليب لاركين، هدد بالإلقاء بنفسه من النافذة إذا لم تفز. آنذاك، كتب سكوت قصة رائعة عن نهاية إمبراطورية، لكنني أظن أنها باتت شبه منسية إلى حد كبير بعد مرور نصف قرن تقريباً. لست بمتأكد من أن كتاب لينش لن يلقى المصير عينه على المدى الطويل، مهما كانت موهبته رائعة في تصوير الطبيعة الخانقة الحالية لعنف الدولة وقمعها.
واستطراداً، تواجه لجنة تحكيم جائزة بوكر مهمة صعبة في ظل وجود كثير من لانتقاء واحدة من بينها، لكنني أسأل إذا كان خيار عام 2023 يذكرنا إلى حد ما بما حدث السنة الماضية، حينما خسرت رواية “تقليدية” تدور أحداثها في بلدة صغيرة (رواية “أشياء صغيرة كهذه” Small Things Like These الرائعة لكلير كيغان)، بشكل غير عادل من وجهة نظري، أمام رواية “الإثارة الميتافيزيقية” الأكثر تجريبية وواعية بطموحها الأدبي “أقمار مالي ألميدا السبعة” The Seven Moons of Maali Almeida للكاتبة شيهان كاروناتيلاكا.
ربما، في ما يتعلق بدورة عام 2023، سيكون الأمر ببساطة الاعتراف بأن “أغنية النبي”، بالنسبة لي، بغض النظر عن قوتها وجاذبيتها، لم تثر المقدار نفسه من الإعجاب الذي أثارته رواية “لسعة النحل” الأكثر امتاعاً. لأسباب عملية، أُقيم حفل تسليم جائزة بوكر هذا العام في وقت متأخر عن المعتاد وقريب جداً من أعياد الميلاد. وهكذا، ستحقق “أغنية النبي” ارتفاعاً في المبيعات خلال هذه الفترة، لكن إذا كنتم تبحثون عن هدية تكون مسلية ومحرضة للتفكير، فإنني أوصي بلا تردد برواية موراي الرائعة والمركبة [لسعة النحل]، حتى لو لم يحمل غلافها إشارة إلى أنها “فائزة بجائزة بوكر”.
© The Independent