كشفت مصادر خاصة لـ “العربي الجديد” من دمشق أن “السبب الحقيقي لزيارة الوفد الايراني هو المطالبة بالديون”، لأن الجدولة التي تم الاتفاق عليها سابقاً لم تلتزم دمشق بها، ولم تسدد القروض التي قدرتها المصادر بنحو 50 مليار دولار.
وبينت المصادر الخاصة أن حكومة بشار الأسد وعدت الوفد الإيراني، الذي يزور دمشق منذ ثلاثة أيام برئاسة محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين، بـ”منح طهران فوسفات منطقة القريتين القريبة من صحراء تدمر وسط سورية، وافتتاح مصرف إيراني خاص وتسهيلات في قطاعات الكهرباء والزراعة والسياحة”.
وحول ما أشيع عن أن زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين هو سبب الزيارة، تضيف المصادر: “هذا للاستهلاك الإعلامي”، ولكن تم التوافق خلال لقاء رضا فرزين مع حاكم مصرف سورية المركزي محمد عصام هزيمة على “افتتاح مصرف خاص والاستغناء عن العملات العالمية خلال التبادل التجاري ، والتنسيق بشأن الدفع الإلكتروني لتسهيل التجارة والسياحة”.
ويقول بيان المركزي السوري إن الجانبين ناقشا “العرض المقدم من إحدى الشركات الإيرانية للمساهمة في بنك خاص سيُنشأ حديثا في سورية”، و”اتُّفق على موضوع تبادل العملات المحلية بين البلدين لتسهيل العمليات التجارية والمالية والاستغناء عن عملتي اليورو والدولار في التعاملات بينهما”.
ويضيف البيان، على قناة المركزي على “تليغرام”، إنه جرى الاتفاق على “العروض الإيرانية” لتسهيل العمليات التجارية والسياحية، من دون التطرق إلى مشروعات الفوسفات أو الاستثمارات الإيرانية في قطاعات الكهرباء والصناعة.
الالتفاف على العقوبات
ويرجّح المستشار الاقتصادي السوري أسامة قاضي أن سبب الزيارة هو “المطالبة بالديون” التي قدرها بنحو 60 مليار دولار، كاشفاً أن محافظ المركزي الإيراني تطرق إلى ذلك خلال لقائه رئيس مجلس الوزراء السوري حسين عرنوس، إضافة لطرق الالتفاف على العقوبات الأميركية خلال الدفع الإلكتروني أو عبر المصرف الإيراني الذي سيفتتح بدمشق قريباً.
ويشير قاضي لـ”العربي الجديد” إلى ما يسميه “مرحلة الضغط الإيراني على دمشق لتحصيل الديون”، التي سيتخللها “وضع اليد على ثروات باطنية واستجرار منتجات زراعية سورية وإقامة منشآت صناعية”، غير مستبعد إعادة إحياء استثمار ميناء اللاذقية ومعمل تجميع السيارات الإيرانية بدمشق وتفعيل، كما قرأنا، عمل “الغرفة التجارية المشتركة” التي رممت دمشق أمس أعضاءها وأعادت تفعيلها، بحسب ما صرح رئيس مجلس إدارة الغرفة بدمشق اليوم فهد درويش.
ويتساءل قاضي عن المنتجات السورية التي يمكن أن تصدر إلى إيران “غير الفوسفات”، كما أن الصادرات الإيرانية إلى سورية، برأيه، تراجعت كثيراً، حتى النفط يدخل إلى سورية عبر ميناء بانياس ليكرر في المصافي السورية ويصدر للالتفاف على العقوبات.
حجم الديون
وتبقى الديون الإيرانية المتراكمة منذ دعم إيران نظام الأسد للقضاء على ثورة السوريين عام 2011 مبهمة وموضع تكهن وتخمين، فمنذ مطالبة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمة الله فلاحت بيشه، قبل ثلاث سنوات، حكومة بشار الأسد بوفاء الديون المترتبة عليها لإيران، والغموض يلف هذا الملف.
وكان فلاحت بيشه قد قال لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) إن حكومة الأسد أصبحت مديونة لإيران بعد سنوات طويلة من التعاون بين البلدين. وعلى المسؤولين الإيرانيين تحصيل هذه الديون من الناحية القانونية، و”بصفتي نائباً في البرلمان الإيراني، طالبت المسؤولين السوريين عند لقائي بهم بسداد ديونهم”، التي قدرها خلال التصريحات في مايو/أيار 2020، حسب موقع “اعتماد أونلاين” الإصلاحي الإيراني، بين 20 و30 مليار دولار.
ويشير الباحث نوار شعبان إلى أن الدين ليس محصوراً بالنفط فقط، بل هناك ديون تقنية وخدمية وعسكرية، فهو كبير جداً والنظام غير قادر على السداد وإيران تعلم ذلك، لكنها تتطلع، مقابل التكبيل بالديون، للسيطرة على المؤسسات والبنى التحتية والموانئ، والأهم التغلغل والتأثير في هيكلية النظام السوري.
ويرى الباحث في مركز “عمران للأبحاث”، خلال تصريح سابق لـ”العربي الجديد”، أن انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا أعاد الفرصة لإيران لتتمدد وتفرض شروطها من جديد على النظام السوري، فعادت لتصدير النفط والغاز وبدأت بتوثيق الاتفاقات (24 اتفاقاً) التي وقعتها في قطاعات النفط والكهرباء والزراعة، وتحاول إحياء اتفاق الفوسفات، إضافة لحجز مكان في إعادة الإعمار، وهذا برأي الباحث السوري شكل من أشكال استرداد الديون التي لا تبحث طهران عن استردادها بقدر ما تسعى للسيطرة مقابلها على الأرض والمؤسسات ومفاصل الدولة.