كل المؤتمرات، الحوارات الوطنية، واللقاءات المجتمعية التي عقدت خلال الحرب السورية لم تقدم أي حلول حقيقية. مئآت الاجتماعات والمبادرات انتهت إلى اللاشيء، بل أصبحت موضع سخرية، لأن منظمّيها كانوا إما عاجزين أو غير جادين في البحث عن حل حقيقي للأزمة. الواقع يثبت أن هذه الفعاليات لم تكن سوى إضاعة للوقت ولعبًا على مشاعر السوريين وسخرية منهم، بينما استمر الانهيار الاقتصادي، والدمار، والانقسام المجتمعي.
الحل ليس في المزيد من المؤتمرات أو الحوارات الوطنية والوعود الجوفاء، بل في إجراء انتخابات برلمانية حرة وفورية تُمكّن الشعب السوري من اختيار ممثليه الحقيقيين، وتشكيل حكومة شرعية قادرة على إدارة البلاد والانطلاق في مسار ديمقراطي شامل. لا يمكن الحديث عن رفع العقوبات، أو إعادة الإعمار، أو توحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية، أو العدالة الانتقالية، ما لم تكن هناك سلطة شرعية منتخبة تتولى هذه الملفات وتحلها بسلطة القانون.
أما الحديث عن أن الانتخابات غير ممكنة الآن، فهو مجرد ذريعة مفضوحة لرفض التغيير والاستمرار في التمسك بالسلطة. الدول التي خرجت من الحرب العالمية الثانية، والتي شهدت دمارًا هائلًا وانقسامات عميقة، سارعت إلى إجراء الانتخابات لاستعادة الاستقرار، ولم تقل: “الأوضاع غير مناسبة”.
إليك بعض الأمثلة من أوروبا بعيد الحرب العالمية الثاتية وهي أضخم حرب عبر التاريخ الإنساني:
1. بريطانيا – 5 يوليو 1945 (قبل حتى انتهاء الحرب رسميًا، بعد استسلام ألمانيا في مايو 1945).
2. فرنسا – 21 أكتوبر 1945 (بعد شهر ونصف فقط من انتهاء الحرب).
3. الدنمارك – 30 أكتوبر 1945 (بعد قرابة شهرين).
4. هولندا – 17 مايو 1946 (بعد حوالي ثمانية أشهر ونصف).
5. إيطاليا – 2 يونيو 1946 (بعد تسعة أشهر، وشملت استفتاءً على إلغاء الملكية).
هذه الدول لم تنتظر حوارات وطنية، ولا مؤتمرات دولية، ولا لقاءات دبلوماسية، ولا اعترافات شكلية لا تقدم ولا تؤخر. بل اتخذت قرارها ببدء مسار ديمقراطي حقيقي، عبر صناديق الاقتراع، لأنها أدركت أن الحل يبدأ من الشرعية الشعبية، وليس من اتفاقات النخب ومساومات السياسة.
في سوريا، إذا توفرت الإرادة السياسية، فإن تنظيم انتخابات خلال ستة أشهر ممكن جدًا، بل حتى ثلاثة أشهر قد تكون كافية إذا تعاونت السلطة مع المجتمع المدني والمتطوعين. التأجيل ليس سوى محاولة لإبقاء الوضع على ما هو عليه، واستمرار الأزمة دون حلول. السوريون لا يحتاجون إلى المزيد من الشعارات، بل إلى صناديق اقتراع حقيقية تعيد إليهم صوتهم وحقهم في تقرير مصيرهم.