بغداد وأربيل تطفئان نار الخلاف حول النفط
بغداد – حسمت الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان الخلاف حول استئناف تصدير النفط في رسالة واضحة تشير إلى أن الطرفين خرجا بصفقة ترتيبات كبرى ستمكنهما من تجاوز مخلفات أزمة وقف التصدير التي كلفت العراق قرابة 20 مليار دولار، وكلاهما حقق مكاسب يعمل على تحقيقها لحسابه.
وبالاتفاق الجديد، ربحت بغداد معركة اعتبارية مع الإقليم، فهي تريد أن تضع يدها على تصدير النفط العراقي بقطع النظر عن موطن استخراجه في الجنوب أو الشمال، وأن يتم الأمر عبر الشركة الوطنية لتسويق النفط سومو، وهذا ما تحقق.
وستحصل الحكومة الاتحادية وفق الاتفاق على 300 ألف برميل يوميا ما قد يتيح أمامها الفرصة للمطالبة بمراجعة حصتها في أوبك، والتي تبلغ حاليا نحو أربعة ملايين برميل يوميا. ومن المحتمل أن يؤدي استئناف الصادرات إلى زيادة الإمدادات في سوق النفط والتأثير بالتالي على الأسعار.
قيادة الإقليم أثبتت قدرتها على الحوار تحت الضغط ونجاحها في الحفاظ على مصالح سكان الإقليم دون تنازلات
لكن الأهم أن بغداد حسمت ملفا تم استثماره سياسيا بشكل تسبب في اهتزاز صورة مؤسساتها ومصداقيتها في ضوء الأزمة التي تجري في إقليم كردستان، والتي تم تحميلها لبغداد واتهامها بمحاصرة الإقليم ماليا لاعتبارات سياسية وإرضاء لأحزاب مرتبطة بإيران تعمل على معاقبة الإقليم بسبب مواقفه.
في المقابل، نجح إقليم كردستان في ربح معركة ليّ الذراع مع بغداد، وأوقف خطة كانت تهدف إلى سحب أحد عناصر قوة الإقليم، أي عائدات النفط.
ويرى مراقبون أن قيادة الإقليم أثبتت قدرتها على الحوار تحت الضغط ونجاحها في الحفاظ على مصالح سكان الإقليم دون تنازلات أو حسابات شخصية.
وبالاتفاق الجديد، الذي أقرّه البرلمان العراقي قبل أسبوعين، تمكن الإقليم من تحقيق عدة مكاسب منها: أن وزارة المالية الاتحادية تلتزم بتعويض الإقليم عن النفقات السيادية المرتبطة بإنتاج ونقل النفط المسلّم إلى شركة سومو أو وزارة النفط الاتحادية. وعدّل البرلمان العراقي مؤخرا الموازنة العامة، بزيادة تعويضات إنتاج النفط ونقله من 6 دولارات إلى 16 دولارا للبرميل.
وكانت المادة الـ12 في الموازنة الثلاثية التي صوّت عليها مجلس النواب في 12 يونيو عام 2023 تنص على منح الشركات النفطية العاملة في إقليم كردستان 6 دولارات عن كل برميل مستخرج، وهو ما تم رفضه حينها من قبل الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم.
وفي مقابلة مع بلومبيرغ قال رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني “كل شيء جاهز الآن لتصدير نفطنا. نتوقع استئناف الصادرات بحلول نهاية مارس،” وأنه سيبحث هذه المسألة مع المسؤولين الأتراك في أربيل خلال الأيام المقبلة.
po
وقال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان العراق بيشوا هوراماني إن تعديل قانون الموازنة العراقية “خطوة إيجابية،” مهنئاً الكتل الكردية في مجلس النواب والأطراف المساهمة في تمرير التعديل.
ومن المتوقع أن يخفف استئناف التصدير الضغوط الاقتصادية عن إقليم كردستان، بعدما أدى التوقف إلى تأخير رواتب العاملين في القطاع العام وتقليص الخدمات الأساسية، وسيؤدي إلى سحب عناصر الخلاف مع بغداد ويتيح للإقليم تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكانه، الأمر الذي يوقف موجة الاحتجاجات والاعتصامات ويسحب أيّ مبرر للتوظيف السياسي سواء من أحزاب داخل الإقليم أو في بغداد.
وقال وزير النفط العراقي حيان عبدالغني الاثنين إن بغداد وأربيل بصدد وضع اللمسات الأخيرة بشأن بدء “استلام وتصدير نفط” إقليم كردستان “خلال أسبوع”، بعد خلافات استمرت نحو سنتين أدّت إلى توقف الصادرات.
وكان إقليم كردستان العراق يصدّر يوميا 450 ألف برميل من النفط عبر ميناء جيهان التركي، من دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد.
غير أن هذه الصادرات توقفت في مارس 2023 بعدما أصدرت هيئة تحكيم دولية قرارا لصالح بغداد منعت بموجبه أيّ تصدير لنفط الإقليم إلا من خلال شركة سومو.
20
مليار دولار قيمة الخسائر الناجمة عن توقف صادرات الإقليم من النفط، بحسب تقديرات نشرتها “جمعية الصناعة النفطية بإقليم كردستان” (أبيكور).
وقال عبدالغني الاثنين للصحافيين “نحن متفقون مع (سلطات) الإقليم على استلام ما لا يقلّ عن 300 ألف برميل (يوميا) من حقول الإقليم، لتصديرها عبر منفذ جيهان التركي”.
وأشار إلى أن وفدا سيتوجه من بغداد الثلاثاء إلى أربيل “من أجل التفاوض لوضع آلية لاستخدام النفط،” متابعا أنه “سيُستأنف تصديره خلال أسبوع”.
وكانت شبكة رووداو التلفزيونية، ومقرها أربيل، قد نقلت في وقت سابق عن كمال محمد وزير الثروات الطبيعية بالوكالة بإقليم كردستان العراق القول إن صادرات الإقليم من النفط قد تستأنف بحلول مارس القادم “بعد الانتهاء من جميع الإجراءات القانونية”.
ومطلع فبراير، أقرّ البرلمان العراقي تعديلا في الموازنة العامة من شأنه أن يسوّي الخلاف بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد حول تسلّم نفط الإقليم.
وينص التعديل على دفع “تعويض” لحكومة إقليم كردستان عن كلفة إنتاج النفط ونقله إلى الحكومة الاتحادية، وفق ما جاء في النص الذي نشره الإعلام الرسمي.
ولم تستأنف عمليات تصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي منذ أغلقت تركيا خط الأنابيب في 2023، بعدما أمرت محكمة تحكيم أنقرة بدفع نحو 1.5 مليار دولار تعويضات لبغداد بسبب نقل النفط من إقليم كردستان من دون موافقة الحكومة العراقية.
وقالت أنقرة مراراً وتكراراً إن خط الأنابيب جاهز للعمليات وإن الأمر متروك للعراق لاستئناف التدفقات. كما أعربت الولايات المتحدة عن رغبتها القوية في رؤية تدفق النفط عبر خط الأنابيب العراقي – التركي.
ومطلع نوفمبر، وافقت الحكومة الاتحادية في بغداد على أن تشكّل بالاشتراك مع حكومة الإقليم “جهة استشارية فنية دولية متخصصة” تُعهد إليها مسؤولية تحديد “تكاليف الإنتاج والنقل” التي يفترض أن تُدفع لشركات النفط في الإقليم.
وبلغت قيمة الخسائر الناجمة عن توقف صادرات الإقليم من النفط 20 مليار دولار، بحسب تقديرات نشرتها في سبتمبر “جمعية الصناعة النفطية بإقليم كردستان” (أبيكور).