بدأت جلسات حوارية في المحافظات السورية تحضيراً لعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري العام، خاض المشاركون فيها في كل القضايا والملفات التي تؤرق السوريين الذين يأملون أن يكون المؤتمر المنتظر بوابة واسعة لدخول البلاد مرحلة انتقالية تنقضي مع إجراء انتخابات وفق دستور جديد ودائم. وتيسّر جلسات اللجنة التحضيرية هذه، التي أعلنت عنها الرئاسة السورية الأربعاء الماضي، معرفة آراء المشاركين في الجلسات الحوارية لبلورة رؤية واضحة تؤسس لمؤتمر الحوار الوطني السوري المقبل المنوط به وضع ثوابت الرؤية الدستورية والآليات الإدارية والقانونية للمرحلة الانتقالية.
الملف الاقتصادي يتصدر أغلب الحوارات
وبرز الملف الاقتصادي والمعيشي في أغلب الحوارات التي جرت حتى الخميس الماضي، عبر المطالبة بتأهيل المؤسسات الخدمية لتخفيف الأعباء عن المواطنين، فضلاً عن ملفات حقوقية لها علاقة بالعدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الجرائم من أركان النظام المخلوع خلال سنوات الثورة. وتنوعت هواجس السوريين على اختلاف الظروف التي يعيشها سكان كل محافظة. فسكان المحافظات الشرقية (الرقة، وجانب من دير الزور، والحسكة، وجانب من ريف حلب)، يطالبون الإدارة الجديدة بـ”إنهاء الأوضاع الشاذة”، وفرض سيطرة الدولة على المناطق التي تقع تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ذات الصبغة الكردية لجهتي القيادة والتوجيه، للقضاء على أي توجه يمكن أن يفتح الباب أمام تقسيم البلاد تحت ذرائع مختلفة، منها اللامركزية. وجرت جلستا الرقة والحسكة في العاصمة دمشق بسبب تعذر عقدهما في المحافظتين اللتين لا تزالان تحت سيطرة “قسد”.
مؤيد غزلان: الحوار الوطني يعد سبقاً سياسياً واجتماعياً على مستوى المنطقة
وطالب المشاركون في الجلسات الحوارية في محافظة درعا، جنوبي البلاد، بـ”إنشاء منظمات حقوقية تُشرف على السجون السورية وتراقب المؤسسات العسكرية والأمنية”، للحيلولة دون حدوث انتهاكات كتلك التي حدثت إبان النظام المخلوع. وكذا الحال في الحوارات التي جرت في المحافظات السورية الأخرى، والتي ارتفعت بها الأصوات المطالبة بصون حقوق المواطنين وحماية الحريات والسلم الأهلي، وكتابة دستور يُرضي جميع السوريين على اختلاف مكوناتهم السياسية. كما دعا المشاركون في الجلسات إلى اختيار أعضاء مؤتمر الحوار الوطني السوري المزمع عقده خلال العام الحالي من أصحاب الكفاءة من مختلف المحافظات وفق آليات تمثيل واضحة. ولم تتضح بعد رؤية اللجنة التحضيرية لطبيعة الذين سيدعون إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري العام، وهل ستعتمد المناطقية والمذهبية أم وفق الكفاءة العلمية والمجتمعية والسياسية.
انتقادات خلال جلسات الحوار الوطني السوري
لكن هذه الجلسات الحوارية وُجّه إليها الكثير من الانتقادات، وخاصة لجهة العشوائية في انتقاء الأشخاص الذين يشاركون فيها، ما أدى إلى استبعاد شخصيات مجتمعية وفكرية لها الكثير من التأثير في المجتمع السوري، وهو ما يقلل من أهمية هذه الجلسات التي تسبق مؤتمر الحوار الوطني السوري العام الذي لم يُحدد له موعد نهائي بعد. واعتمدت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني “على السؤال والتزكية والطعن، والتشاور مع شخصيات معروفة” في كل محافظة، وفق عضو اللجنة حسن الدغيم، الذي أشار في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “التمثيل الشرعي لا يكون إلا عبر صناديق الاقتراع”، لكنه أوضح أنه لكون هذا الخيار صعباً في الوقت الحالي والانتخابات يصعب إجراؤها، تعتمد اللجنة على الاجتهاد الجماعي في الدعوة إلى الجلسات الحوارية. وأكد الدغيم أن اللجنة لن توجه دعوات لـ”الموالين للنظام” إلى الجلسات الحوارية التي تمهّد الطريق لمؤتمر الحوار الوطني السوري الذي بات حديث الشارع الذي يتوق إلى وضع آليات ناظمة للمرحلة الانتقالية، والخروج بإعلان دستوري ريثما يتم التوافق على دستور دائم للبلاد تُطرح مسودته للاستفتاء العام.
اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري 13/2/2025 (سانا/إكس)
أخبار
لجنة الحوار الوطني السوري تستبعد “قسد” ورفض كردي لتشكيلتها
وأبدت القوى السياسية الكردية، وفي مقدمتها المجلس الوطني الكردي، تحفظاً على “تغييب الحركة السياسية الكردية عن جلسات الحوار الوطني”، معتبرة، في بيان أخيراً، أن ذلك “يمثل إخلالاً بمبدأ الشراكة الوطنية”. ولكن كما يبدو، لم توجه اللجنة دعوات لأحزاب أو هيئات سياسية، بل اعتمدت مبدأ الدعوات الفردية من مختلف مكونات كل محافظة من محافظات سورية الـ14. وتشكل الجلسات الحوارية فرصة للجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري من أجل إعداد أوراق العمل للمؤتمر المنتظر، من خلال الاستئناس بآراء المشاركين في هذه الجلسات، كما تعد وسيلة لاختيار أعضاء المؤتمر، الذي يعد التحدي الأبرز أمام اللجنة في ظل التباين الحاد في الرؤى، والخشية من الإقصاء والتهميش من قبل قوى سياسية ترى نفسها فاعلة في المشهد السوري.
سابقة سياسية واجتماعية
واعتبر الباحث السياسي مؤيد غزلان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الحوار الوطني منبر لتفاعل مختلف الفئات المجتمعية السورية”، موضحاً أن السوريين لم يتحاوروا منذ عشرات السنين ولم يتفاعلوا في إطار التعريف الوطني الجامع ليقولوا كلمتهم بشأن مطالبهم واهتماماتهم ورؤيتهم المصيرية. وتابع: بما أن السياسة لا تشكل مجالاً منفصلاً عن المجتمع، بل هي تأخذ شرعيتها منه، فإن الحوار الوطني السوري الذي سيحدث، والذي تسبقه حالياً الجلسات الحوارية، يعد سبقاً سياسياً واجتماعياً على مستوى المنطقة.
حازم نهار: حتى يكون الحوار مفيداً فعلاً فإنه يحتاج لتطبيق مجموعة شروط
وبيّن غزلان أن “مختلف فئات المجتمع تحدثت بكل حرية واستقلالية في الجلسات الحوارية، وكذا الحال سيكون في المؤتمر”، موضحاً أن اللجنة التحضيرية “تلعب دور المستمع والميسّر الإجرائي في الجلسات الحوارية”، معتبراً هذه الجلسات فرصة لـ”معرفة هموم وأولويات الشعب السوري بشكل مباشر، ومن دون أي وساطة من مؤسسات إعلامية أو منظمات مجتمع مدني”. وبرأيه، فإن الحوار الوطني السوري الحاصل الآن “يصنع مستقبل سورية السياسي عبر تفاعل عملي وواضح”، مشيراً إلى أن “أكثر التفاعلات العملية كانت في جلسات محافظتي اللاذقية وطرطوس”، موضحاً أنه “جرى طرح مسائل واقعية حول الاقتصاد والدستور”.
انتشار أمني في درعا بعد إسقاط نظام الأسد، 9 يناير 2025 (فرانس برس)
تقارير عربية
لقاء تحضيري في درعا لمؤتمر الحوار الوطني السوري.. هذه أبرز المطالب
كما بيّن أن الحضور كان مكثفاً في محافظة درعا، جنوبي سورية، مشيراً إلى أن المشاركين “رفضوا مشاركة أتباع النظام البائد”، مضيفاً: نحن أمام تكاشف حقيقي بين الشعب ومستقبله السياسي. وأوضح غزلان أن “توصيات المؤتمر الذي يجرى التحضير له لا تدخل في نطاق الإلزام أو عدمه”، معتبراً أن “توصيات المؤتمر سترسم مسار ومنهجية الحكومة القادمة، لأن الهدف من المؤتمر ليس كلمات وعبارات وأطروحات تذهب إلى رفوف مكاتب السياسة، بالعكس، هذا الحوار سيكون هو الناظم أيَّ مسار سياسي قادم”. وتابع: “الناتج الحقيقي لنجاح الحوار الوطني السوري سينعكس في الحكومة الانتقالية القادمة، وفي المسار الدستوري المؤقت والدائم. الشعب السوري قال كلمته في الجلسات الحوارية وسيقولها في المؤتمر الوطني، والمضي في تنفيذ مطالبه وترجمتها إلى واقع سياسي أهم عمل سياسي يقع على عاتق الحكومة الانتقالية القادمة”.
وفي السياق، رأى الباحث حازم نهار، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الحوار بين السوريين “مفيد من حيث المبدأ، لكن حتى يكون الحوار مفيداً فعلاً فإنه يحتاج لتطبيق مجموعة شروط”. وبرأيه، فإنه “لا بد أن يكون الحوار مبرمجاً بدقة من حيث الدعوة (توجيه الدعوة قبل وقت كافٍ من عقده) والمدعوين (دعوة الأشخاص استناداً إلى جدول الأعمال، فدعوة جميع التخصصات دفعة واحدة لا تفيد)، وبرنامج الحوار (لا بد من وجود مستويات ومراحل في الحوار: سياسي، اقتصادي، تعليمي… إلخ) وآليات الحوار (الوقت المخصص لكل مشارك، والاهتمام بالمشاركة المكتوبة)”. ورأى نهار أن “مشكلة هذه الجلسات الحوارية الأساسية لا تكمن في ما سبق ذكره، بل في طبيعة مؤتمر الحوار الوطني السوري العام من حيث كونه مؤتمراً للتشاور ورفع التوصيات، وليس مؤتمراً يستطيع أن يصدر قرارات ملزمة، فضلاً عن أن دعوة المشاركين فيه منوطة بالسلطة القائمة وحسب بناء على معايير تحددها هي فقط”.