محاربة داعش تؤمّن نفوذ الأكراد
تركيا تعمل على عدة مسارات في مساعيها لضرب النفوذ الكردي. فإلى جانب المصالحة التركية – الكردية التي انطلق مسارها مؤخرا، تسعى أنقرة بالتوازي مع ذلك إلى تجريد الأكراد من أهم نقاط نفوذهم وقوتهم وهي محاربة تنظيم داعش.
القاهرة – تتطلع تركيا عبر تشبيك تحالف إقليمي ظاهره مكافحة تنظيم داعش، إلى توثيق صلاتها بالولايات المتحدة، وتحقيق نفوذ فعّال داخل الساحة السورية وجعلها مُمَهدة لعملية عسكرية خارج الحدود تأجلت كثيرًا ضد الأكراد. وتدل التحركات التركية وطبيعة التحالفات الجديدة والدول المستهدفة بالزيارة من قبل مسؤولين أتراك ومغزى تصريحاتهم أن هناك جهودا لجعل سوريا منطقة بلا نفوذ كردي.
ومن شأن تصدير عنوان مكافحة تنظيم الدولة (داعش) وخلق آلية للتعاون المشترك ضده، وهو ما اتفقت عليه تركيا والأردن والعراق وسوريا أخيرا، دفع الولايات المتحدة للتعويل على حلف إقليمي جديد يؤدي المهمة التي حملتها وحدات حماية الشعب الكردية على عاتقها، ما يجعل واشنطن منفتحة على قبول سيناريوهات تلوح في الأفق متعلقة بتقليص النفوذ والحضور الكردي في الإقليم إلى الحد الأدنى.
وبدت الشراكة في المجال الأمني والاستخباراتي والعسكري تحت عنوان محاربة داعش رسالة مباشرة تطلب الرضا والدعم الأميركي من زاوية طرق باب المعضلة التي تؤرق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن تجاوز فشل سلفه الرئيس جو بايدن في التصدي لخطر تنظيم داعش العابر للحدود.
وتلوح أنقرة لواشنطن بوجود فرصة للعثور على آلية جديدة ناجعة للقضاء على داعش الذي زاد خطره على العمق الأميركي مؤخرا، ما يحفزها للتقليل من اعتمادها على الوحدات الكردية، بعد أن ثبت، وإن كانت تحتجز الآلاف من المقاتلين السابقين في التنظيم الإرهابي، أنها لم تحُل دون تصاعد نفوذه في الإقليم وازدياد خطورته في العالم.
وتراهن تركيا على حاجة الإدارة الأميركية الجديدة إلى تدشين سياسات مختلفة بعد عودة الإرهاب المرتبط بصراعات وتقلبات الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة طوال فترة الرئيس جو بايدن، ما يضع الرئيس دونالد ترامب أمام تحدي الخروج من فشل سلفه في ظل تزايد التوترات الإقليمية، بعد سقوط حكم بشار الأسد في دمشق ودخول المنطقة في حالة عدم يقين.
◙ أنقرة تستخدم عنوان محاربة داعش لاستمالة الولايات المتحدة وفك الارتباط بينها وبين أكراد سوريا
وإذا كانت أنقرة تستخدم عنوان محاربة داعش في سياق تحالفها الإقليمي الجديد لاستمالة واشنطن وفك الارتباط بينها وبين أكراد سوريا، فهي أيضًا تستخدمه لخلق حضور، ونفوذ فعلي لم يتحقق بعد في المشهد السوري رغم استحواذ الجهاديين على السلطة، علاوة على تحقيق هدفها الرئيسي عبر شراكة إقليمية متعددة بعد أن فشلت في تحقيقه منفردة وهو القضاء على الهياكل الكردية العسكرية النافذة في كل من العراق وسوريا.
وإذا لم تتحقق أهداف تركيا في سوريا المتعلقة بإنهاء سيطرة الأكراد على شمال شرق البلاد وتجريدهم من أسلحتهم فلا قيمة للترويج لأي نفوذ حققته بعد سقوط حكم بشار الأسد.
ولا بديل أمام أنقرة سوى معاودة اختراق المشهد عبر قيادة تحالف يملك القدرة على ما لم تستطع تحقيقه لأكثر من أربعين سنة، فيما تدل الشواهد على أن حلفاءها الجهاديين في السلطة وحدهم لن يحققوا نجاحًا، خاصة أن القوى التي تهاجم المصالح والتمركزات الكردية ستخوض حرب عصابات على جبهتي سوريا والعراق، أين يتحصن حزب العمال الكردستاني.
وليست لدى هيئة تحرير الشام وحلفاءها الجهاديين ممن استولوا على السلطة في دمشق رغبة أو قدرة لخوض صراعات عسكرية،إذ تتوجس من أن هناك أطرافًا تستدرجها لتستنزفها وتجهض تجربتها بالسلطة في مهدها، لذلك تضع تثبيت قدمها في الحكم تحت أي صيغة وفي ظل مختلف الانتهاكات من قبل أطراف متداخلة أولوية قصوى.
ويبدو الحاكمون الجدد في سوريا بقيادة أحمد الشرع أضعف من نظام الأسد، وهم في طريقهم لنيل الشرعية يمدون جسور التواصل مع مختلف القوى على الساحة، ما يجعلهم أقل احتياجًا لتركيا، عكس الحال الذي كانوا عليه عندما خاضوا تمردًا ضد دمشق من جيب في شمال غرب البلاد.
ويُعد لجوء أنقرة إلى تأسيس تحالف إقليمي هدفه الرئيسي تقويض هياكل الأكراد العسكرية، والقضاء على قوات وحدات حماية الشعب الكردية تحت ستار مكافحة داعش، اعترافًا بمحدودية القوة التركية داخل سوريا ما بعد الأسد، وهربًا من الفشل إذا اعتمدت على حلفائها الجهاديين وحدهم.
وإذا خاضت تركيا المواجهة المرتقبة ضد الأكراد بمساعدة الحكومة الجديدة في دمشق وحدها وعجزت عن تحقيق هدفها سيُعد ذلك مسمار في نعش حكم الإسلاميين الجديد في سوريا وتجسيد لضعفه وعلامة على قرب زواله، بالتوازي مع فقدان أنقرة سمعتها وسطوتها الإقليمية.
وتعني مكافحة الإرهاب في الأدبيات التركية القضاء على الانفصالية الكردية المسلحة لا استهدف الجماعات والحركات الإسلامية والجهادية، وعلى ضوء ذلك توسع الطموح التركي على وقع التحولات المهولة ليكون الإقليم بأكمله خاليًا من أي مظهر من مظاهر النفوذ الكردي.
اقرأ أيضا: الصومال خط جديد في مواجهة التوسع العالمي لتنظيم داعش
وليس معلومًا بدقة مصير الآلاف من عناصر وقادة داعش المحتجزين في سجون شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، خاصة أن التاريخ القريب والبعيد يدل على تسامح تركي ومرونة ملحوظة مع منتسبي داعش بهدف تدويرهم وملء فراغ تركته القوى القديمة.
وهناك رؤية مضادة مفادها أن هدف الجمع بين محاربة الأكراد وداعش في سياق أهداف الحلف الإقليمي الجديد الذي يضم تركيا والعراق والأردن وسوريا، هو تعزيز طموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومضاعفة نفوذ أنقرة في سوريا والإقليم، لأن القضاء على داعش مطلب دولي وأميركي وإقليمي.
وكما كان الإسهام في إضعاف تنظيم داعش في سوريا من قبل هيئة تحرير الشام عربونًا للقوى الغربية للصعود باتجاه التمكين والسيطرة على السلطة في سوريا، سيكون القضاء على وجود داعش إقليميًا وتجفيف مصادر تمويله وضمان استقرار المنطقة عربونًا لتقويض الأكراد وللاعتراف بتمكين الأتراك من الهيمنة خارج حدودهم.
ورغم إطلاق الرئيس رجب طيب أردوغان حملة موسعة بشراكة إقليمية ضد جهاديين، فهو لا يزال مرتكزًا على طموحاته الإسلامية عبر الوصول لصياغة زعامة دينية وتنصيب نفسه خليفة للمسلمين.
وفي الوقت الذي يلبي إسلاميون وجهاديون مقتضيات الطموح التركي وما تتطلبه المصالح الجديدة من استعداد للاكتفاء بحكم محلي محدود يدين بالولاء لقيادة مركزية في أنقرة، مثل أجنحة الإخوان حول العالم وأفرع القاعدة المحلية بجانب منظمات دينية تشرف عليها الأجهزة التركية، يخالف داعش هذا التوجه عبر التحرك بمشروع خلافة عالمي منافس لخلافة الرئيس التركي المفترضة.
وبات وصف الجماعات الإرهابية منطبقًا من قبل تركيا على الكيانات الكردية المسلحة والفصائل الإسلامية التي تطرح مشروع خلافة منافس لزعامة أردوغان الإسلامية في الإقليم والعالم مثل خلافة داعش.
وينضوي داخل مشروع خلافة الرئيس التركي العالمية – بجانب الإخوان والقاعدة المعاد تسميته – منظمات عديدة تعمل تحت إشراف وبدعم من الأجهزة التركية، مثل الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام التي يترأسها القيادي الجهادي المصري محمد الصغير، وهو خليفة للراحل يوسف القرضاوي داخل المشهد الإخواني والإسلامي، وينشط لتصدير مناهج الإخوان والجهاديين والمتطرفين.
وتجند الهيئة الموالين والأتباع لمشروع الرئيس التركي الإسلامي ولا تتورع عن تأييد ما تطلق عليه الجهاد المسلح بهدف توسيع النفوذ العالمي لتركيا، وتدعم هذا النشاط شخصيات تركية معروفة بتطرفها مثل ياسين أقطاي ونورالدين يلديز.