الأوروبيون الذين احتضنوا زيلينسكي في لندن، وجدوا أنفسهم في مواجهة روسيا وأميركا في آن. وهذا ما يملي البحث جدياً في احتمالات الولوج إلى عصر، لم يعد من المستحيل فيه أن تسحب واشنطن مظلتها العسكرية والنووية عن أوروبا.
أيقظت عاصفة البيت الأبيض التي وضعت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في زاوية ضيقة من الخيارات، استنفاراً أوروبياً مضافة إليه كندا في قمة لندن، للاعتراض على “الانقلاب” الذي تشهده السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قبل ما ينوف عن شهر. رسالة لندن ملخصها لن نترك أوكرانيا وحيدة في مواجهة روسيا، حتى لو كانت التكلفة الشروع في إنفاق دفاعي غير مسبوق، لتعويض أي نقص في المساعدات الأميركية، وأن أمن القارة بعد اليوم مسؤولية أوروبية، ما دامت العلاقات بين ضفتي الأطلسي تزداد اتساعاً.
المشادة في البيت الأبيض، أفضت إلى اعتقاد راسخ لدى قادة أوروبا، أن النظام الأمني-السياسي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة منذ 1945، قد نسفه ترامب، وتالياً وجب عليهم البحث عن البديل.
الأوروبيون الذين احتضنوا زيلينسكي في لندن، وجدوا أنفسهم في مواجهة روسيا وأميركا في آن. وهذا ما يملي البحث جدياً في احتمالات الولوج إلى عصر، لم يعد من المستحيل فيه أن تسحب واشنطن مظلتها العسكرية والنووية عن أوروبا. وأكثر المتنبهين الى هذا الاحتمال هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أكد استعداده “لفتح النقاش” بشأن ردع أوروبي نووي في المستقبل. وقال: “أرى اليوم أن الوقت حان ليقظة استراتيجية، لأن في كل دولة ثمة عدم يقين بشأن استمرار الدعم الأميركي على المدى الطويل”.
وعبّر زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي الألماني فريدريتش ميريتس، الذي يتهيأ لتولي منصب المستشار الجديد بعد فوز حزبه في الانتخابات التشريعية في 23 شباط/فبراير الماضي، عن هواجس أعمق بدعوته إلى ضرورة استعداد أوروبا الى “أسوأ سيناريو” المتمثل بتخلي واشنطن عن حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وليس بعيداً من هذه المخاوف، رأى الأمين العام السابق للناتو أندره فوغ راسموسن، أن “الهيكل الأمني الذي اعتمدت عليه أوروبا لأجيال قد ولى إلى غير رجعة”.
والأسئلة الملحة التي تطارد الأوروبيين الآن، هي ماذا يمكنهم فعله لضمان عدم انعكاس التوتر الأميركي-الأوكراني على جبهات القتال في أوكرانيا؟ ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الذي استقبل زيلينسكي بحفاوة بالغة عوضته ما لقيه من جفاء في البيت الأبيض، أكد “تصميم بريطانيا المطلق” على مساعدة كييف في مواجهة روسيا. وأول مبادرة في هذا الاتجاه كانت التوقيع على قرض بـ 2.74 مليار يورو لدعم القدرات الدفاعية الأوكرانية. وسيتم سداد المبلغ من أرباح الأصول الروسية المجمدة.
جوهر الخلاف بين زيلينسكي وأوروبا من جهة وترامب من جهة ثانية، هو رفض الرئيس الأميركي توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد التوقيع على اتفاق للسلام. ويرى البيت الأبيض أن هذه الضمانات يجب أن تكون أوروبية بحتة لأن النزاع يحصل على أرض أوروبية.
وإذا كانت هذه نقطة خلاف أساسية، فهي ليست الوحيدة. فأوكرانيا والدول الأوروبية هالها الاندفاع الأميركي نحو روسيا، والشروع في تطبيع العلاقات الأميركية-الروسية، قبل أن يقدم بوتين، من وجهة نظرها، أي تنازل ملموس للتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع.
ولا يعارض القادة الأوروبيون الذهاب إلى تسوية سلمية، لكن يرون أن آوان مثل هذه التسوية يحين فقط بعد أن تحقق أوكرانيا اليد العليا في الميدان. وتحقيق هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من الدعم الغربي، تسليحاً وتمويلاً.
السرعة التي تحرك بها ترامب لفرض وقف للنار، وفق الخطوط الحالية للجبهة، تعطي روسيا امتيازاً على طاولة المفاوضات. وهذا ما يخشاه زيلينسكي الذي صدم بتغريدة للرئيس الأميركي تطالب كييف بتناسي مسألة الانضمام إلى الناتو.
من هنا، أصرّ زيلينسكي على الضمانات الأمنية الأميركية، وكان مستعداً لتوقيع اتفاق المعادن مع الولايات المتحدة لو حصل على هذه الضمانات التي تعادل تقريباً الانضمام إلى الناتو.