بعد أسبوع من اختتام مؤتمر الحوار السوري الذي لاقى انتقادات واسعة بسبب الاستعجال وسوء التنظيم، أصدر رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع قراراً بتشكيل لجنة لصوغ مسوّدة الإعلان الدستوري. وبعد أقلّ من ساعتين على صدور القرار بدأت التسريبات حول نصوص الموادّ التي سيتضمنها هذا الإعلان، الأمر الذي أثار استياء السوريين وسخريتهم في الوقت ذاته، خصوصاً أن التسريبات جاءت من فضائيات عربية لا من القنوات المحلية.
وجاء في القرار أنه انطلاقًا من تطلّعات الشعب السوري في بناء دولته على أساس سيادة القانون، وبناءً على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري، وبهدف إعداد الإطار القانوني الناظم للمرحلة الانتقالية، تقرر تشكيل لجنة لصوغ مسوّدة الإعلان الدستوري في سوريا.
وفق القرار، تضمّ اللجنة كلًا من الدكاترة عبد الحميد العواك، ياسر الحويش، إسماعيل الخلفان، ريعان كحيلان، محمد رضا جلخي، أحمد قربي وبهية مارديني.
تتولى اللجنة مهمة صوغ مسوّدة الإعلان الدستوري الذي ينظم المرحلة الانتقالية في الجمهورية العربية السورية.
ونصّ البند الأخير على أن اللجنة سترفع مقترحها إلى رئيس الجمهورية.
وأكدت مصادر سورية لـ “النهار” أن عمل اللجنة سيقتصر على الصوغ الفني لبنود الإعلان الدستوري، ولا يدخل في صلاحياتها اقتراح مضمون هذه البنود أو الأحكام الناظمة للمرحلة الانتقالية، فهي بالتالي لجنة فنية ذات مهمة شكلية فقط. أما تحديد المبادئ والأحكام التي سيتضمنها الإعلان الدستوري فسوف تكون من مهمة الرئيس الانتقالي. وإمعاناً في تجريد اللجنة من أي صلاحيات موضوعية، اعتبر القرار أن الصيغة التي تقوم بها تكتسب فقط وصف المقترح الذي لا بد من أن يوافق عليه الرئيس الانتقالي لاحقاً.
ويبدو أن سرعة تسريب محتوى بعض البنود، التي سيتضمنها الإعلان الدستوري، تدخل في إطار تأكيد الدور الشكلي للجنة المشكلة، وانعدام اختصاصها الموضوعي.
وفي هذا السياق سربت قناة “الجزيرة” القطرية أهم الأحكام التي سيتضمنها الإعلان الدستوري، وذلك بعد أقل من ساعتين على تشكيل اللجنة، في خطوة أثارت الاستغراب والريبة من قبل السوريين.
ووفق “الجزيرة”، سيحتوي الإعلان الدستوري على ٤٨ مادة ،من أهمها النص على أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً، وأن يكون هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وأن رئيس الجمهورية يعين مجلس الشعب خلال ٦٠ يوماً من تاريخ إصدار الإعلان الدستوري.
وسيتكون مجلس الشعب السوري من١٠٠ عضو، يراعى فيه التمثيل العادل للمكونات والكفاءات. ورئيس الجمهورية السورية هو من يعين أعضاء مجلس الشعب بقرار جمهوري وتكون مدة المجلس سنتين.
كذلك سيسمح الإعلان الدستوري بتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفق قانون يصدر لاحقاً.
وفي موقف لافت احتجاجاً على تسريب البنود عبر قناة عربية، أصدر موقع جريدة “زمان الوصل” بياناً أكد فيه أن الجريدة لن تنقل الأخبار الوطنية المتعلقة بالدستور ومستقبل البلاد من أي صحافة خارجية، مشدداً على أن المسؤولين عن هذه الملفات عليهم الكفّ عن تسريب المعلومات إلى وسائل الإعلام العربية والأجنبية، ونشرها في المعرفات الرسمية.
وفي أول تعليق على تشكيل اللجنة، ذكر المستشار القانوني فراس حاج يحيى أن تشكيل لجنة الخبراء المكلفة صوغ مسوّدة الإعلان الدستوري، رغم كونه خطوة في الاتجاه الصحيح، فهو يثير في الوقت نفسه العديد من التساؤلات القانونية التي لا يمكن تجاهلها بشأن معايير اختيار أعضائها.
وأضاف أنه “من المؤسف أن التشكيلة المعلنة لا تضم سوى اسم واحد فقط من ذوي التخصص والخبرة في القانون الدستوري، وهو الدكتور عبد الحميد العواك، بينما تضم شخصيات أخرى لا تنتمي إلى هذا التخصص الدقيق، على رغم حملهم شهادات دكتوراه في القانون، بل من بينهم من لا يحمل شهادة في القانون أساساً، إنما يحمل شهادة في مجالات أخرى مثل الصحافة والعلاقات الدولية”.
ورأى أن إسناد هذه المهمة التاريخية إلى لجنة يجب أن تتكون حصراً من خبراء دستوريين ممارسين وذوي خبرة أكاديمية وعملية هو شرط لا يمكن التفريط به.
ولاحظ الناشط السوري أحمد أبا زيد أن “خطاب النصر تضمن تشكيل مجلس تشريعي مصغر في المرحلة الانتقالية، لكن المواد المسربة – إن صحّت – تكلمت عن تعيين مجلس الشعب”.
ومنذ سقوط النظام، وفق أبا زيد، يتوسّع شعور التهميش وعدم المشاركة السياسية لدى شرائح ثورية قبل غيرها، ولا يمكن تجاوز هذا بتعيينات الأفراد من فوق، أو إحضارهم إلى حوار لا قرار ينتج منه، وإنما من يقين هذه الشرائح بأنها ممثلة في صناعة القرار أيضاً.
وأضاف أن هذا “يحتاج من رئاسة الدولة ما يبدو تنازلاً عن الصلاحيات ومغامرة في ضياع التحكّم الكامل بالدولة في اللحظة الحرجة، ولكن هذا التنازل بالذات هو ما يضمن أكثر استقرار القاعدة الاجتماعية للدولة وتوسيعها، والإيمان حقاً بأنها دولة الجميع”.