ثمة مؤشرات عدة على حدوث تحوّل لافت في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الخطة المصرية – العربية التي أقرّها الزعماء العرب خلال قمتهم الأخيرة في القاهرة، يوم 4 آذار/مارس الجاري. ويأتي هذا التحوّل الإيجابي بعد أيام من رفض الولايات المتحدة وإسرائيل للخطة التي تهدف إلى إعادة إعمار قطاع غزة من دون تهجير سكانه، والوصول إلى سلام دائم في منطقة الشرق الأوسط.
وبحسب مصادر ديبلوماسية وسياسية، تحدثت إليها “النهار”، فإنّ القاهرة تشعر بتفاؤل تجاه التصريحات والإشارات التي صدرت من واشنطن، أخيراً، لكن تفاؤلها يتسم بالحذر.
وأثنت القاهرة على التصريح، ودعت إلى “البناء على هذا التوجه الإيجابي لدفع جهود إحلال السلام في الشرق الأوسط، وذلك من خلال تبنّي مسار شامل يستند إلى رؤية واضحة تحقق الاستقرار والأمن لكافة الأطراف”.
كذلك، فإن الحديث الذي دار بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفين ويتكوف، مساء الأربعاء، على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب في الدوحة، تضمّن تلميحات تكشف عن مرونة واشنطن وانفتاحها على مزيد من المشاورات بشأن الخطة المصرية – العربية.
مواقف مغايرة
ويتفق وكيل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين طارق الخولي مع الرأي القائل بأنّ ثمة حالة من الانفتاح الأميركي على الخطة العربية. ويقول لـ”النهار” إن “التصريحات الأخيرة تعكس مواقف قد تكون مغايرة لما طُرح خلال الفترة الماضية”.
وكان ترامب قد اقترح في شباط/ فبراير الماضي تهجير سكان القطاع الفلسطيني إلى مصر والأردن، وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
ويرجّح الخولي أن هذا التحول قد يكون نتاجاً للتحركات التي تمت في القمتين العربية والإسلامية، وكذلك المشاورات المصرية – القطرية مع الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الفاعلة.
ويحذّر النائب البرلماني المصري من أنه رغم هذه المؤشرات الإيجابية التي تستبعد التهجير القسري لسكان غزة، يجب أن يؤخذ في الاعتبار المساعي التي تقوم بها أطراف داخل إسرائيل لتهجير سكان القطاع طوعياً، من خلال جعله غير قابل للحياة.
ويعتقد الخولي أن التعامل بحكمة مع هذا الملف، واحترام المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحياة على أرضه، وأن يكون هناك مسار حقيقي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية، سيسهم في إنهاء الصراع الدائر في الشرق الأوسط منذ عقود.
مسار عقلاني
وتقول عضو الهيئة الاستشارية للمجلس المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية د. نهى بكر، لـ”النهار”، إن “الموقف العربي الصامد المتحد رسمياً وشعبياً، وكذلك الدعم من جانب عدد من الدول الأوروبية الرافضة للتهجير القسري أدى إلى تراجع ترامب، منعاً لخسارته حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة”.
وتضيف أستاذة العلوم السياسية: “الخطة العربية جاءت لتقدّم مقترحاً يُبنى عليه، ومساراً للتفاوض للوصول إلى وضع مقبول من الأطراف كافة. لذا فإن تصريحات ترامب يمكن اعتبارها محاولة لإعادة صياغة خطابه السياسي ليكون أكثر توازناً، ما يخلق مساحة للخطة قد تعيد التفاعل الأميركي مع القضية الفلسطينية بشكل أكثر عقلانية”.
توازن ونفوذ
من جانبها، ترى المحللة السياسية الأميركية إيرينا تسوكرمان أن “هذا التحوّل يبدو محاولة استراتيجية لإعادة ضبط السياسة الأميركية في المنطقة بما يتماشى أكثر مع المعايير الدولية، وتخفيف الانتقادات السابقة”.
ولكنها تستدرك خلال حديثها لـ”النهار” قائلة: “مع ذلك، وبالنظر إلى تعقيد الصراع بين إسرائيل وحماس وتجذره، فإن فعالية مثل هذه التصريحات ستعتمد في النهاية على ترجمتها إلى سياسات وإجراءات ملموسة تعالج المخاوف المتعددة لجميع الأطراف المعنية”.
وتشير إلى أن “تحركات ترامب الأخيرة تعكس محاولة لاستعادة التوازن بين دعم إسرائيل وتحسين العلاقات مع الدول العربية، مع الحفاظ على النفوذ الأميركي في المنطقة”.
وتُعرب تسوكرمان عن اعتقادها أنه “إذا نجحت هذه الاستراتيجية، فقد تعزز مكانة الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في إدارة التحديات الإقليمية خلال السنوات المقبلة”.