ارتقت “الضغوط القصوى” لدونالد ترامب على إيران إلى درجة الضربات “المميتة”، كما قال، لذراعها الحوثيّ في اليمن. فهل يحمل هذا التطوّر طهران على تعديل نهج التعاطي مع أميركا وعروض التفاوض على ملفّها النوويّ ونفوذها الإقليميّ؟

هل حساباتها الخاطئة بأنّ واشنطن لن تذهب نحو الحرب ضدّها، مباشرة أو بواسطة إسرائيل، ما زالت تطغى على دوائر القرار الإيراني؟ فهذه الحسابات شملت العام الماضي استبعاد موافقة أميركا على شنّ إسرائيل الحرب ضدّ لبنان و”الحزب”. لكنّ ما حصل هو العكس تماماً. استخفّت طهران بالإجازة الأميركية لإسرائيل لملاحقة النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، وحتى العراق.

وكالعادة، تنصلت طهران من المسؤولية عما يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر، لكن وزير الخارجية عباس عراقتشي قال إنه ليس لواشنطن الحق في فرض سياستها الخارجية على إيران.

 

تدور تكهّنات أوساط قوى الممانعة على الصعيد الإقليمي في حلقة مفرغة، جرّاء إخضاعها قراءتها للمستجدّات الدولية والإقليمية لأوهام قدرة إيران على مواجهة الضغوط الأميركية الجديدة.

مراهنة طهران على توظيف واشنطن للحوثيّين

قبل الضربات الأميركية الأخيرة للحوثيين، في صنعاء وصعدة والحديدة وغيرها، كانت الحسابات عند هذه الأوساط تفيد أنّ السياسة الأميركية ستبقي على الحوثيين ورقة ضغط على دول الخليج العربي، ولا سيما السعودية. فلطالما سادت النظرية القائلة إنّ استراتيجية واشنطن هي الحفاظ على اليمن ميداناً لابتزاز دول الخليج واستنزافها.

تفترض هذه الحسابات أنّ طهران لا تعتبر أنّ أميركا يمكن أن تشلّ فعاليّة الحوثيين في تهديد الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب. ولا يقيم المنطق الإيراني وزناً للتحوّلات الأميركية بحيث بات ترامب يعتبر أنّه “حان وقتكم” (في مخاطبته الحوثيين) لتعطيل نشاط هؤلاء في البحر، كإحدى الأوراق الإيرانية في أيّ مفاوضات محتملة حول ملفّها النووي وتمدّدها الإقليمي.

تنصلت طهران من المسؤولية عما يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر
يضاف إلى تلك الحسابات ما تعكسه وسائل إعلام ومراكز دراسات إيرانية من مراهنة على رفض دول الخليج والسعودية تصعيد الضغوط على إيران. وسواء صحّت تلك المراهنة أم لم تصحّ، فإنّها تحمل مبالغة في تقدير مدى استعداد واشنطن للأخذ برأي حلفائها في المنطقة، بدليل تجاهلها الموقف العربي الرافض للتصعيد الإسرائيلي في غزة وفي لبنان حيث تخالف اتّفاق وقف النار بمواصلتها احتلال مناطق جنوبية فيه.

الحسابات الخاطئة حول العلاقة مع الخليج

تقوم حجج البعض في طهران على مراهنات عدّة، منها:

– البراغماتية التي اعتمدتها دول الخليج العربي بالانفتاح عليها، خصوصاً بعد اتّفاق بكين بينها وبين السعودية في آذار 2023. تعتقد طهران أنّ الخلاف العربي مع الإدارة الأميركية على غزة سيتيح لها الإفادة من التقارب مع دول الخليج لفكّ عزلتها الاقتصادية. إلّا أنّ التشدّد العربي، ولا سيما السعودي، في اشتراط قيام دولة فلسطينية للقبول بالتطبيع مع إسرائيل، لا يعني الذهاب بالخلاف مع ترامب إلى حدّ معاكسة العقوبات الجديدة التي يفرضها الأخير على طهران. فالموقف المبدئي للمملكة من القضية الفلسطينية لا ينسحب على سائر ملفّات العلاقة مع الجانب الأميركي.

– ترى أوساط إيرانية أنّ استنكار دول الخليج والسعودية للقصف الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية في الأشهر الماضية، آخره في تشرين الأوّل الماضي، والدعوة إلى احترام إسرائيل للسيادة الإيرانية، مؤشّر إلى أنّ دول المنطقة تتقارب في شكل يستدعي أخذ واشنطن ذلك في الاعتبار.

ظريف

لكن في المقابل لا بدّ من الإشارة إلى أنّ رفض الدول الخليجية لاستخدام إسرائيل أجواءها والإفادة من القواعد الأميركية الموجودة في عدد منها، لا يعني أنّ هذه الدول قادرة على ممارسة ضغوط على إدارة ترامب، إذا جنحت نحو الاشتراك مع إسرائيل في التصعيد العسكري ضدّ طهران. فالأخيرة تراهن على أن يقود الحرص الخليجي على استقرار المنطقة إلى تعاون أمنيّ خليجي – إيراني لحفظ أمن الملاحة البحرية يبعد أميركا عن البحر الأحمر وبحر العرب.

امتناع دول الخليج عن تسهيل الضربات الإسرائيلية لإيران عبر أجوائها لا يعني الوقوف في وجه الضربات الأميركية الأخيرة للحوثيين
إلا أنّ امتناع دول الخليج عن تسهيل الضربات الإسرائيلية لإيران عبر أجوائها لا يعني الوقوف في وجه الضربات الأميركية الأخيرة للحوثيين. وهي ضربات أثبتت تمسّك واشنطن بدورها شرطيّاً لمنع الحوثيين من تهديد أمن الملاحة البحريّة.

التنصّل الإيراني من الحوثيين..

يصعب فصل الضربات الأميركية المكثّفة ضدّ الحوثيين عن المماطلة الإيرانية في الردّ على رسالة ترامب التي نقلتها دولة الإمارات العربية المتّحدة إلى المرشد السيّد علي خامنئي والتي دعاه فيها إلى التفاوض. فالمتحدّث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي قلّل من أهمّية الرسالة بقوله إنّ “فحواها غير بعيد جدّاً عن تصريحات ترامب العلنية، وهو تكرار لبعض النقاط الرئيسية”. وأحال التواصل مع أميركا إلى القنوات الرسمية، أي إلى دور البعثة السويسرية في طهران الراعية للعلاقة القنصلية بين الدولتين. أرفق بقائي ذلك باعتماد أسلوب التنصّل نفسه من النشاط العسكري للحوثيين بقوله إنّ “الشعب اليمني يقرّر بنفسه بشأن الإجراءات التي يراها مناسبة لدعم الشعب الفلسطيني”.

هذا ويشي بالتهيّؤ لمرحلة جديدة من المواجهة إعلانُ مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي مايك والتز أنّ الرسالة من وراء الضربات هي القول لطهران إنّه “طفح الكيل”. فقد أوضح أنّ كلّ الخيارات مطروحة على طاولة ترامب، في ردّه على سؤال عن إمكان ضرب إيران. وفي انتظار ردّة فعل القيادة الإيرانية التي ستتواصل ضدّ الحوثيين وقول مصادر أميركية.

يتساءل بعض المراقبين في طهران عمّا إذا كانت استقالة نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف من منصبه في 3 آذار
هل ينقذ ظريف المستقيل التّفاوض؟

هل من إمكانية لتدارك طهران أيّ ضربة عسكرية أميركية إسرائيلية تلوح نذرها إزاء إصرارها على رفض عرض ترامب بالتفاوض؟

في وقت تزداد العلاقة الإيرانية – التركية تدهوراً بفعل الخلاف على التطوّرات الميدانية في سوريا، يراهن بعض المتشدّدين في طهران على أن تعاكس أنقرة سياسة الضغوط القصوى لإدارة ترامب. إلّا أنّ تركيا اكتفت بتشجيع موسكو على لعب دور لمصلحة التفاوض الأميركي الإيراني، لكنّها لا تستطيع الحؤول دون التصعيد ضدّ إيران.

إقرأ أيضاً: التّقاطع بين إسرائيل وإيران في سوريا الجديدة

يتساءل بعض المراقبين في طهران عمّا إذا كانت استقالة نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف من منصبه في 3 آذار، بناء على نصيحة من السلطة القضائية، يمكن أن تكون مخرجاً للتفاوض تحت الطاولة مع واشنطن. فالرجل لم تعد له صفة رسمية، ويمكنه لعب دور من هذا الموقع في التواصل مع واشنطن.