–
المعلومات الواردة من إسرائيل عن سورية أن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس يقول: “هاجمنا أربعين هدفاً عسكرياً في جنوب سورية لتطبيق السياسة التي أعلنّا عنها لإحباط التهديدات ضدّ إسرائيل، وسندافع عن سلامة الدروز في المنطقة، وعندما يفتح (الجولاني) عينيه كلّ صباح سيرى الجيش الإسرائيلي يراقبه من جبل الشيخ، وسيتذكّر أننا هنا. سنحافظ على (المنطقة الآمنة) وعلى جبل الشيخ، وسنضمن أن تكون هذه المنطقة في جنوب سورية منزوعة السلاح، وسنوثّق العلاقة مع سكّان المنطقة، وسنبدأ يوم 16 آذار بالسماح للعمّال السوريين بالعمل في المناطق الجديدة التي سيطرنا عليها برواتب ومخصّصات خيالية” (هذا الكلام ردّ واضح على تحذير وليد جنبلاط من خطر المشروع الإسرائيلي التفتيتي، ودعوته إلى الحفاظ على وحدة سورية، رافضاً أن تسوّق إسرائيل نفسها حاميةً للدروز هناك، مع الإشارة إلى أن 16 مارس/ آذار هي ذكرى اغتيال القائد كمال جنبلاط).
وتقول القناة 12 الإسرائيلية: “هدف التقسيم المناطقي في سورية منع سيطرة النظام الجديد، وضمان القدرة على التحكّم في عدّة مستويات من الحدود حتى دمشق. المؤسّسة الأمنية ترى أن تحرّكها في سورية من الدروس المستفادة من هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)، عبر التحرّك بشكل استباقي”. وتضيف: “40 ألف مدني سوري يوجدون الآن في المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل في سورية. وتقديرات الأجهزة الأمنية تشير إلى أن خلايا أمنية كثيرة فيها. كلّ منزل سوري يحوي أسلحةً، والجيش مستعدّ لاحتمال وقوع عمليات أمنية مفاجئة، ونحن نمتلك سيطرةً ناريةً وقدرةً على المراقبة حتى العاصمة دمشق”.
أمّّا ما يقال في دوائر القرار الإسرائيلي، الأمنية والسياسية؛ “الشرع غير قادر على ضبط الوضع. نحن نتعاطف مع العلويين والمسيحيين، لكنّ للدروز وضعاً خاصّاً، وهم كوّنوا (لوبي) مؤثّراً ضاغطاً في مراكز صنع القرار. ولذلك قرّرنا تقديم دعم بقيمة مليار دولار لمناطقهم في الشمال (والشمال هنا بات يمتدّ من الجليل الأعلى إلى الجولان والأراضي السورية الجديدة المحتلّة، وتلك المحيطة بها؛ السويداء مروراً بلبنان)، وينبغي العمل على تفكيك النفوذ الإقليمي لوليد جنبلاط “؛ “ما جرى في الساحل السوري حماقة”؛ “لجنة التحقيق في الأحداث، والإعلان الدستوري، يدلان على الاستئثار”؛ “الاتفاق مع الأكراد ليس ثابتاً”؛ “لن نقبل التمدّد التركي في سورية ونحن نراقب بدقّة التحرّكات التركية هناك”؛ “نحن على تواصلٍ مع المسؤولين الأميركيين ومراكز الدراسات والأبحاث لشرح مخاطر ما جرى وما يجري في سورية، ولإطلاعهم على العمليات العسكرية التي نفّذناها وسننفّذها، وأهدافها وأبعادها”.
لا بدّ من احتضان عربي لموقف وليد جنبلاط، حمايةً لموقف الموحّدين الدروز في تلك المنطقة، الرافضين استخدام إسرائيل لهم
ماذا تعني هذه العناوين والتوجّهات السياسة الإسرائيلية في سورية؟ … بوضوح، لا تريد إسرائيل رؤية سورية موحّدةً أو مستقرّةً أمنياً وسياسياً، وتقول علناً وتنفّذ يومياً أقوالها، بضرب مقوّمات الدولة كلّها لمنع النظام من السيطرة، ولتنفيذ المشروع التقسيمي. بطبيعة الحال، ستتأثّر دول الجوار بهذه السياسات والأهداف. ولذلك هي معنية بمواجهتها. لن يقف تقسيم سورية عند حدودها. تسعير الصراعات المذهبية والطائفية ستكون له تداعيات على لبنان خاصّة، وعلى بقية الدول، بهدف إضعافها وتفكيكها، وهذا يستوجب، أولاً، إدراك السلطة الجديدة في سورية هذه المخاطر كلّها، والعمل المباشر لتفكيك ألغامها، بدءاً بحوار جدّي مفتوح مع المكوّنات كلّها، وتعزيز شراكة حقيقية على مستوى الحكم وإدارته، ومعالجة آثار ما جرى في الساحل لتبديد مخاوف المقيمين هناك، وغيرهم في مناطق أخرى، والتعامل بدراية وواقعية مع الحساسيات المذهبية والطائفية، فكيف إذا كان المشروع الإسرائيلي واضحاً، ويعلنه أركان دولة الاحتلال بوضوح؟
ثانياً، إدراك العرب، كلّ العرب، أنهم معنيون بمواجهة هذا الخطر، لا سيّما الذين أيّدوا الإدارة الجديدة في سورية، والمبادرة إلى تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي والمالي والاقتصادي لها بسرعة، لتتمكّن من مواجهة التحدّيات المذكورة، والمحافظة فعلياً على وحدة الأرض والمؤسّسات. وثالثاً، استيعاب تركيا لضرورات الاتفاق مع الأكراد وتعزيز دور الإدارة الجديدة، والتأكيد على خصوصيات الأكراد وترسيخ انتمائهم إلى الدولة السورية على قاعدة الاتفاق الذي تمّ معهم.
ويجب (رابعاً) أن تبادر الدول الأوروبية وأميركا إلى إعطاء فرصة للإدارة الجديدة، رغم ملاحظاتٍ أبداها أعضاء في مجلس الأمن حول ما جرى في الساحل السوري، ولو كان من باب ردّة الفعل على ما فعلته أدوات النظام السابق في محاولة انقلابية واضحة. أمّا خامساً، فيجب إدراك أن ما جرى في جنوبي سورية، وتلاعب إسرائيل بمسألة الأقلّيات، وادّعاء حماية الدروز، واستهداف دور وليد جنبلاط الذي يواجه ذلك، لا تقع مسؤولية التصدي له على عاتق هذا الرجل وحده. فلا بدّ من احتضان عربي لموقفه، حمايةً لموقف الموحّدين الدروز في تلك المنطقة، الرافضين استخدام إسرائيل لهم، ولحماية وحدة سورية، ووحدة البلاد العربية كلّها، المستهدفة إسرائيلياً بمواقف معلنة وواضحة، يطلقها المسؤولون في حكومة نتنياهو.