دمشق – “النهار”
عشية إحياء محافظة درعا الذكرى السنوية للثورة السورية، تعرضت لأوسع هجوم إسرائيلي طاول العديد من المواقع العسكرية، من ضمنها للمرة الأولى مواقع تابعة لوزارة الدفاع السورية، في حين كانت الغارات الإسرائيلية السابقة تستهدف مواقع ومستودعات تابعة للنظام السابق وفق تصريحات رسمية سورية.
وجاء القصف الإسرائيلي بالتزامن مع انشغال الجيش السوري باشتباكات حدودية مع مجموعات مسلحة داخل الأراضي اللبنانية، انتهى الى اتفاق بين وزارتي الدفاع في البلدين على التهدئة. وبينما سارعت وزارة الدفاع السورية إلى إصدار البيانات بخصوص الاشتباكات الحدودية مع لبنان، لم يصدر عنها أي بيان بخصوص الاعتداءات الإسرائيلية.
ويضع مراقبون للمشهد السوري الصمت الرسمي في خانة رغبة دمشق في عدم استفزاز إسرائيل، باعتبار أن الهدف المركزي حالياً يتمثل في تثبيت أركان السلطة الانتقالية وليس الدخول في صراعات مع دول الجوار. وتأكيداً لذلك، فسّر البعض دموية الغارات الإسرائيلية في درعا بأنها جاءت ردّاً على التقدم الديبلوماسي الذي أحرزته دمشق من خلال حضور مؤتمر بروكسل والحصول على مساعدات مالية، الأمر الذي أغضب إسرائيل، بحسب هؤلاء.
وتعد هذه المرة الأولى التي تقصف فيها إسرائيل مواقع داخل مدينة درعا. وبلغ عدد الغارات قرابة 30 بدأت قبيل منتصف الليلة الماضية، واستهدفت كلاً من اللواء 132 والفوج 175 وحي مساكن الضاحية الذي يحوي مدرسة عسكرية يعتقد أنها تضم مجموعة من الدبابات. وشملت الغارات مدن درعا وإنخل وإزرع. وامتد الاعتداء الإسرائيلي إلى السويداء حيث تم استهداف مطار الثعلة وبلدة المطلة، كما استهدف بلدة الكسوة في ريف دمشق.
وقالت وكالة “سانا” الرسمية عبر حسابها على منصة “إكس” إن “طائرات الاحتلال الإسرائيلي شنت غارات جوية مستهدفة محيط مدينة درعا”، من دون ذكر مزيد من التفاصيل بشأن الأهداف التي طاولها القصف.
بدورها، أعلنت محافظة درعا عبر قناتها على “تلغرام” أن الغارات استهدفت “مساكن مدينة إزرع والفوج 175 العسكري بضربات عدة”.
وارتفعت حصيلة القتلى جراء الغارات إلى خمسة بينما أصيب قرابة 19 شخصاً بينهم مدنيون وعسكريون.
وأعلن الدفاع المدني السوري أن الغارتين أدتا إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 19 آخرين بينهم أربعة أطفال وامرأة، وبين المصابين ثلاثة متطوعين من الدفاع المدني السوري أصيبوا أثناء إنقاذهم السكان داخل حي مساكن الضاحية الذي تأثر بالغارتين.
وكانت المواقع المستهدفة تتبع الجيش السوري السابق، لكن وزارة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال باشرت منذ فترة استخدامها مواقع خاصة بها. وبذلك تكون إسرائيل قد كسرت حاجزين في الوقت نفسه: الأول استهداف مدينة درعا حيث يقع حي مساكن الضاحية على أطرافها. والثاني استهداف مواقع تابعة للجيش الجديد، وفق ما ذكرت وسائل إعلام سورية قريبة من السلطة الانتقالية مثل “تلفزيون سوريا”. وكان السائد سابقاً أن الهجوم الموسع الذي نفذته إسرائيل على ريف دمشق قبل حوالى ثلاثة أسابيع استهدف مواقع تابعة لفرقة دمشق التي يقودها العميد عمر محمد جفتشي، التركي الجنسية.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الشهر الماضي، عن خطة تتضمن اعتبار مناطق جنوب سوريا منزوعة السلاح، وشدد على أنه لن يسمح للجيش السوري بالانتشار فيها. وتتهم تل أبيب حكومة دمشق بأنها “إرهابية” وتمثل تهديداً للأمن الإسرائيلي.
وفي هذا السياق قال الجيش الإسرائيلي إنه هاجم أهدافاً عسكرية بينها مقار قيادة ومواقع عسكرية تحتوي على وسائل قتالية وآليات عسكرية تابعة للنظام السوري السابق والتي تتم محاولة إعادة تأهيلها في هذه الأيام.
وأضاف: “وجود هذه الوسائل في منطقة جنوب سوريا يشكل تهديداً لدولة إسرائيل. ولن نسمح بوجود تهديد عسكري في جنوب سوريا وسنتحرك ضدّه”. لكن البيان لم يذكر أي تفاصيل عن عمليات إعادة التأهيل التي تقوم بها وزارة الدفاع للمواقع المستهدفة وطبيعتها، كما لم يذكر شيئاً عن نوعية الوسائل التي تشكل تهديداً لإسرائيل.
ذكرى الثورة السورية
وكان من المقرر أن تشهد محافظة درعا، الثلاثاء، احتفالاً بمناسبة إحياء الذكرى 14 للثورة السورية، وذلك بعد توتر تسبب به الخلاف بين دمشق ودرعا على التاريخ الحقيقي لبدء الثورة السورية الذي ينبغي تبنيه رسمياً. فقد قررت دمشق الاحتفال يوم 14 الشهر بمناسبة خروج أول تظاهرة في دمشق، لكن نشطاء درعا يرون أن هذه التظاهرة كانت ذات مطالب خجولة جداً. أما الثورة الحقيقية فبدأت في رأيهم مع رفع شعار إسقاط النظام وسقوط أول قتيل مدني بشوارع درعا في 18 مارس/آذار عام2011.
وتقرر نتيجة الاعتداء الإسرائيلي إلغاء الاحتفال على أن يجري مكانه تشييع حاشد للشهداء الذين سقطوا جراءه.
وخالفت إسرائيل التوقعات مطلع الشهر الجاري، مع قيام جهاز الأمن العام بحملة واسعة في مدينة الصنمين بدرعا بهدف القضاء على مجموعة مسلحة بزعامة محسن الهيمد، حيث أنها لم تعتبر هذه الحملة التي استخدمت فيها أسلحة ثقيلة خرقاً للخط الأحمر الذي رسمه نتنياهو في الجنوب السوري، وبالتالي لم تقم باستهدافها.
وربما التقطت دمشق من ذلك إشارة أوحت لها إمكان تعزيز قواتها في محيط مدينة درعا، لذلك باشرت إعادة تأهيل بعض المواقع العسكرية السابقة التي كانت عرضة للاستهداف الإسرائيلي الأخير.
وفي رواية أخرى، تحدث نشطاء من درعا أنه كان من المقرر أن يشهد الاحتفال بمناسبة الثورة استعراضاً عسكرياً لتوجيه رسالة مشتركة تركية وسورية إلى حكومة إسرائيل بعدم الاعتراف بخطها الأحمر، وأن ذلك ما دفع تل أبيب إلى شن الهجوم الواسع لتثبيت قواعد الاشتباك الخاصة بها، غير أن هذه المعلومات لم يتسن التثبت منها من مصادر مستقلة.