بالرغم من الاستبداد والبطش، حافظ النظام السابق على شكل الدولة وحدّ أدنى من النظام والمعايير. لمدة تقارب خمسة عقود، بقيت هناك انتخابات، وإن كانت شكلية محسومة النتائج. كان بعض الوزراء ورؤساء البلديات من أصحاب الكفاءات فعلاً، كما مُنحت بعض المناصب العليا لأصحاب الخبرة والتحصيل العلمي، وإن كان ذلك قائمًا على قاعدة الولاء للسلطة. كان نظامًا أمنيًا استبداديًا، لكنه على الأقل أدار الدولة بمنطق السلطة المركزية الصلبة، مما حافظ على استقرار المؤسسات والخدمات الأساسية، وكل ذلك كان قبل الحرب.
في الحياة اليومية، كانت هناك قواعد واضحة. الأستاذ يجب أن يكون معطاءً، والطالب ذكيًا، والطبيب السوري مشهود له بالكفاءة. أما الطالب الضابط، فكان يدرس ثلاث سنوات لينال رتبة ملازم، والشرطي كان يخضع لتدريب قانوني، والقضاء، رغم الفساد، بقي فيه من يحترم المهنة ويكسب ثقة المجتمع.
أما اليوم، فقد اختفت كل تلك المعايير. في ظل حكم كافور، لم يعد هناك حتى مظهر للدولة. فقد نصّب نفسه رئيسًا بمبايعة من أمراء الحرب لمدة خمس سنوات، وفصّل دستورًا مرنًا على مقاسه، أما الوزراء فمجرد تابعين من أقاربه وحاشيته، أشخاص معدومو الكفاءة والخبرة. الرتب العسكرية العليا تُمنح للصعاليك وبقايا المرتزقة، والمناصب السيادية والأمنية الرفيعة في الدولة تُمنح للأجانب دون قانون أو مسوّغ.
أما التعليم، فغدًا ربما ستُباع الشهادات الأكاديمية في سوق الحرامية، وأما الشرطي والضابط، فيكفيهما عشرة أيام من التدريب وحفظ آية أو حديث ليصبحا أصحاب سلطة على رقاب الناس.
لم تعد هناك معايير أو أسس يُعمل بها. سوريا اليوم تفقد كل مقوماتها كدولة تُدار بمؤسسات، وتتجه نحو عشوائية لم يشهد العالم لها مثيلًا، لا في دول العربان المارقة، ولا حتى في جمهوريات الموز الإفريقية.