حزب الله في دائرة المساءلة
بيروت – أثار تكرار إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل تساؤلات عن دور حزب الله، خاصة أن منطقة الإطلاق تابعة لنفوذ الحزب ويفترض أن ينسحب منها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، ما يدفع إلى الاعتقاد في أن الحزب إن لم يكن هو المنفذ فهو يعرف المنفذين الذين أطلقوا صواريخ بهدف جر إسرائيل إلى استئناف القصف وخلط الأوراق في لبنان.
ويهدف استدعاء القصف الإسرائيلي إلى إرباك الاستقرار السياسي في لبنان، وما ظهر من مؤشرات على دعم خارجي للبلد بهدف مساعدته على الخروج من أزماته، من ذلك زيارة الرئيس جوزيف عون إلى فرنسا التي تتحدث عن استضافة “مؤتمر دولي لإنعاش لبنان” بناء على “الإصلاحات المؤسسية والاقتصادية التي تطلقها الحكومة اللبنانية.”
ورغم قيام المسؤولين اللبنانيين بتبرئة حزب الله من تنفيذ الهجوم على إسرائيل، إلا أن ذلك لا يمنع الشكوك في أن تكون له يد بشكل مباشر أو غير مباشر في القصفيْن الأول والثاني ما دام الهدف هو منع نجاح توليفة سياسية وأمنية ومالية تضع الحزب على الهامش.
ولا يمكن اعتماد تصريحات المسؤولين على أنها دليل براءة للحزب. والهدف منها تجنب إثارة غضب الحزب وأنصاره تحسبا لردّ فعل قوي من الحزب بتنفيذ احتجاجات وأعمال شغب كما حصل قبل أسابيع من خلال محاولة السيطرة على طريق مطار بيروت الدولي كرد فعل على منع دخول طائرات إيرانية.
وسارع الجيش اللبناني لإثبات قدرته على التحرك في مثل هذه المواقف وأعلن أنه “تمكن من تحديد موقع انطلاق الصواريخ في منطقة قعقعية الجسر – النبطية شمال نهر الليطاني، وباشر التحقيق لتحديد هوية مطلقيها،” في حين قال مصدر أمني لبناني لوكالة فرانس برس شرط عدم كشف اسمه إن “الموقع يبعد 15 مترا فقط عن نهر الليطاني الذي كان من المقرر أن ينسحب حزب الله إلى شماله بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.”
◙ استدعاء القصف الإسرائيلي يهدف إلى إرباك الاستقرار السياسي في لبنان وما ظهر من مؤشرات على دعم خارجي للبلد
وهذه منطقة لحزب الله ويعرف ما يجري فيها، وحتى لو لم يطلق الصواريخ فإنه يعرف من أطلقها ومن جلبها وتحركات تركيز منصات الإطلاق.
ومن غير المستعبد أن يكون المنفذون من فصائل فلسطينية حليفة للحزب وكان يسمح لها عادة بالتحرك في مناطق نفوذه وإطلاق بعض الصواريخ لتسجيل حضورها. ويمكن كذلك أن يكون المنفذون عناصر متفلتة من الحزب تريد الانتقام لمقتل الأمين العام السابق حسن نصرالله وتستغل حالة الارتباك العامة داخل الحزب وضعف القيادة الجديدة لتنفيذ هجمات لتقول إن الحزب لا يزال موجودا وتوجه عبر ذلك رسائل تحذير لأطراف داخلية بالأساس بدأت تستنقص دور الحزب وتأثيره.
ومن الوارد أيضا أن يكون هناك انشقاق غير واضح للعيان لمن يتبع إيران داخل حزب الله ممن يدعون إلى التصعيد واستئناف الحزب لعب دوره في أن يكون ورقة ضغط إيرانية بقطع النظر عن وضعه الداخلي ومدى قدرته على دخول الحرب من عدمه. ويمكن كذلك أن يكون المنفذون نواة لتيار داخل الحزب يريد أن يتحرر من التهدئة التي تريد القيادة أن تسير فيها من باب الانحناء حتى مرور العاصفة.
ولا يستبعد المراقبون أن يكون هدف الحزب، أو دائرة داخله من القيادات العسكرية التي نجت من التصفية، إحراج الرئيس جوزيف عون في زيارته إلى باريس وسعيه للترويج لاستقرار لبنان الجديد، أي لبنان من دون نفوذ حزب الله. وكذلك تزامنه مع توقيت زيارة وزير الدفاع إلى السعودية لإطلاق آلية لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا ليبدو الهدف منه إرباك الرياض التي تريد لعب دور في لبنان، والحزب -ومن ورائه إيران- لا يريد أن يعطيها هذا الدور مهما كان شكليا.
واستهدفت غارة إسرائيلية الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة، وذلك للمرة الأولى منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي، بعدما شن الجيش الإسرائيلي ضربات في جنوب لبنان ردا على إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية.
وأوردت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية “أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على حي الحدث في الضاحية الجنوبية” المكتظ بالسكان والذي أغلقت مدارسه أبوابها عقب إصدار الجيش الإسرائيلي أمر إخلاء للمنطقة بعد إطلاق صاروخين على إسرائيل في عملية لم تتبنّها أي جهة ونفى حزب الله مسؤوليته عنها.
◙ من غير المستعبد أن يكون المنفذون من فصائل فلسطينية حليفة لحزب الله يسمح لها بالتحرك وإطلاق بعض الصواريخ لتسجيل حضورها
وقبل الغارة قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على إكس “إنذار عاجل للمتواجدين في الضاحية الجنوبية في بيروت وخاصة في حي الحدث (…). أنتم تتواجدون بالقرب من منشآت تابعة لحزب الله. من أجل سلامتكم… أنتم مضطرون إلى إخلاء هذه المباني،” محددا على خارطة عددا من المباني.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان عقب الغارة “ضربت قوات الدفاع الإسرائيلية موقعا تستخدمه وحدة حزب الله الجوية (127) لتخزين المسيرات في منطقة الضاحية.”
وأعلن حزب الله إلغاء احتفال يوم القدس المقرر الجمعة في الضاحية الجنوبية لبيروت بعد الغارة الإسرائيلية. وهي المرة الثانية، منذ بدء وقف إطلاق النار، التي يتم فيها إطلاق صواريخ من لبنان في اتجاه إسرائيل. وتعود المرة الأولى إلى 22 مارس.
وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس من أنه “إذا لم يعم الهدوء في بلدات الجليل، فلن يكون هناك هدوء في بيروت.” بدوره توعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل “ستضرب في كل مكان في لبنان ضد أي تهديد.” وندد الرئيس اللبناني الذي يزور باريس بـ”كل المحاولات البغيضة لإعادة لبنان إلى دوامة العنف” بعد الغارة الإسرائيلية.