لن أجانب الحقيقية إذا قلت إن الخلافات في صفوف الحركة الكردية في سوريا تعود إلى لحظة تأسيس أول حزب كردي في عام 1957، عندما برزت خلافات بين المؤسسين على اسم الحزب، وشعاراته، وأهدافه، ما كان السبب الأساسي في انقسام الحزب لاحقاً. ولعل ما عمق من الخلافات الكردية – الكردية هو توجه الكرد في سوريا إلى حالة من التبعية للمرجعيات الكردستانية، إذ برز تيار عرف باليمين، ارتبط بمؤسس الاتحاد الوطني الكردستاني الرئيس الراحل جلال الطالباني، فيما ذهب التيار الثاني، الذي عرف باليسار، إلى الارتباط بالزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني، ولاحقاً نجله مسعود، زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني، قبل أن يظهر حزب العمال الكردستاني في الساحة السورية ويقلب هذه المعادلة، عندما برز حزب الاتحاد الديموقراطي مهتدياً بأيديولوجيا عبد الله أوجلان، لتنقسم الساحة الكردية السورية بين مرجعيتي أربيل وقنديل.
ومع أن الخلافات الكردية – الكردية مرت بمراحل كثيرة، فإنها دخلت مع بدء الثورة السورية في عام 2011 مرحلة جديدة، إذ أحدثت الثورة شرخاً عميقاً في صفوف القوى الكردية التي انقسمت بين أحزاب المجلس الوطني الكردي، والأحزاب التي ارتبطت بالإدارة الذاتية التي تشكلت لاحقاً، قبل أن تتغير هذه المعادلة مع سقوط نظام بشار الأسد ووصول أحمد الشرع إلى سدة السلطة في سوريا. وتظهر مجموعة عوامل باعثة على وحدة الصف الكردي، ولعل أبرزها أهمية وجود وفد كردي موحد يمثل كافة القوى السياسية الكردية، للحوار مع دمشق، بحثاً عن مكانة للكرد في سوريا الجديدة بعد عقود من التهميش والإقصاء.
ومع نشر هذا المقال، قد يكون ظهر دخان اتفاق كردي – كردي من مفاوضات جارية بين الأحزاب الكردية، إذ وصلت هذه المفاوضات إلى مرحلة متقدمة بفضل الرعاية الأميركية للمصالحة الكردية – الكردية، والجهود الكبيرة لقائد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) مظلوم عبدي، خاصة بعد تحركه على محور أربيل ولقائه بالزعيم الكردي مسعود البارزاني، فللأخير تأثير كبير على المجلس الوطني الكردي وقراره. وقد شكل إعلان الأخير انسحابه من الائتلاف الوطني السوري قبل أن يحل الأخير نفسه خطوة مهمة في العودة إلى الساحة الكردية السورية.
تضاف إلى ما سبق مبادرة أوجلان للسلام مع تركيا، إذ تؤكد أن مصير الكرد السوريين يتقرر من خلال الحوار مع دمشق، لاسيما بعد اتفاق الشرع – عبدي على خريطة طريق لحل القضايا العالقة بين السلطة الجديدة و”قسد”.
في الواقع، التوصل إلى اتفاق كردي- كردي لا يعني بالضرورة أن الخلافات الكردية – الكردية ستختفي، فهناك خلافات أيديولوجية وسياسية بين التيارين المتنافسين، وأخرى لها علاقة بالجوانب الإدارية والعسكرية والأمنية والتنظيمية على كيفية ترتيب هذه الساحة، فيما يبقى الدور التركي عاملاً مؤثراً في منع أي اتفاق كردي – كردي أو إفشاله لاحقاً إذا تم، وهو ما يوجه الأنظار إلى دور المرجعيات الكردستانية والحليف الأميركي في دفع الكرد إلى موقف موحد رغم العقبات والتحديات، لتحقيق تطلعاتهم القومية حين يأتي موعد طاولة حوارهم مع دمشق، ومن ثم ليكون لهم دور حيوي في تحقيق شكل الحكم في سوريا واستقرارها، وعلاقة كل ذلك بالهوية السور