أتى اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومعارضيه، الذين رأوا في توجيه تهم بالفساد لأوغلو، خصم أردوغان العنيد والقوي، لعبة سياسية مكشوفة لإحراجه فإخراجه من السباق الانتخابي، خصوصاً أن استطلاعات الرأي العام التركي تضع أردوغان في موقف حرج قليلاً. وترجح هذه الاستطلاعات فوز إمام أوغلو بنسبة تناهز 58 في المئة. وحتى لو استطاع الفوز بالرئاسة، لن يمكنه ذلك إلا بشق النفس.
وترفع المعارضة التركية في وجه الرئيس سيف محاربة الفساد، من خلال توجه أصابع الاتهام إلى القضاء الذي يأتمر بأمر الرئيس وينفذ رغباته، ما يعرض “الديموقراطية التركية” للخطر، كما يقول أوزغور أوزيل، زعيم حزب الشعب الجمهوري.
ولا تقف المعارضة التركية عند هذا الحد، إنما ترد اعتقال السلطات إمام اوغلو واتهامه بملفات فساد إلى قوة شعبيته التي تمكنه من مقارعة أردوغان، وإلى رفعه شعارات التغيير بعدما أمضى أردوغان قرابة 23 عاماً في السلطة، وهو ما يحاكي آمال شريحة كبيرة من الشعب التركي، مستاءة من سياسات الحكومة. كما تؤكد المعارضة أن التهم الموجهة لإمام أوغلو”عارية من الصحة تماماً”، علماً أن هذه ليست أول مرة توجه إليه تهم سياسية.
ففي عام 2019، فاز بمنصب رئيس بلدية اسطنبول، فما كان من المفوضية العليا للانتخابات التركية إلا أن ألغت هذا الفوز، تلبية لرغبات أردوغان نفسه. وحيت أعيدت الانتخابات في منتصف العام نفسه، فاز إمام أوغلو مجدداً بالمنصب نفسه، مسجلاً فارقاً كبيراً في الأصوات، تجاوز 800 ألف صوت.
في انتخابات عام 2023، حقق حزب الشعب الجمهوري فوزاً كبيراً بتأمينه الأغلبية في المجلس البلدي، فرد أردوغان باتهام إمام أوغلو بأنه على اتصال مع حزب العمال الكردستاني المحظور في البلاد. وما يثير الريبة في الأمر إقدام السلطات على إلغاء شهادته الجامعية التي نالها قبل 35 عاماً.
وإضافة إلى أكرم إمام أوغلو، أوقف نحو 50 من المتهمين معه الأحد بتهم “الفساد” و”الإرهاب”، وفقاً للصحافة التركية. ومن بين هؤلاء رئيسي بلديتين في إسطنبول ينتميان أيضا إلى حزب الشعب الجمهوري. وكان قد تمّ فصل المسؤولين المنتخبين، واستُبدل أحدهما وهو متهم بـ”الإرهاب”، بمسؤول معيّن من الحكومة، حسبما أعلنت السلطات.
لا شكّ في أن أردوغان غير مرتاح إلى مسار الأمور في إسطنبول، التي تعد فعلياً مركز الثقل السياسي والاقتصادي في البلاد، وهي التي أدت دوراً مهماً في إيصاله إلى السلطة، فهل تكون إسطنبول هي من تخرجه من الحكم؟ ربما يكون هذا السؤال نفسه هو الذي يقضّ مضجع أردوغان، في بلد تكون فيه الفضائح الأخلاقية جزءاً من اللعبة السياسية، وعاملاً مرجحاً أحياناً في أي صراع بين الحكومة والمعارضة.
في أي حال، لم يصرف ما حصل عن حزب الشعب الجمهوري والمعارضة عن المضي قدماً في اختيار إمام أوغلو مرشّحاً للانتخابات 2028 الرئاسية المقبلة، في ظل دعوات المعارضة إلى انتخابات مبكرة. واحتشد نحو مليون من مناصري إمام أوغلو في اسطنبول، وخطب أوزيل فيهم معلناً تصويت 1,653 مليون عضو في الحزب لصالح ترشّح إمام أوغلو، إضافة إلى تضامن 13,211 مليوناً، منحوا إمام أوغلو ثقتهم.
تصفح أيضاً