الاعتذار لا يُطلب، سواء فردي أو جماعي، ولا يُمكن الطلب من مجموعة بشرية معينة أن تعتذر عن أعمال بالنهاية من قام بها أفراد.
اليوم، إذا بدنا بشكل حقيقي نعمل مكاشفة حقيقية، فكثير من التفاصيل لهذه المكاشفة ستصب بخانة التحريض للأسف……….
وكوني كنت أوثق، وبشكل مستقل بحت، وبتمويل شخصي لمن يجمع المعلومات على الأرض، أنا لوحدي وثقت 202 مجزرة طائفية في مدينة حمص وأريافها، وأبطالها كانوا علوية وشيعة.
هذا عدا عن تفاصيل احتضان حزب الله والميليشيات الشيعية الغريبة، والاندماج معها، وتمركزها بقرى معينة، وقصفها قرى السنة منها…الخ.
ومع ذلك أدرك بكل وعي أنه لا قرار لأهالي أي منطقة في هذا. ببساطة ما حدا استشارهم. لكن كتار منهم كانوا مهللين ومطبلين ومشجعين وكنا نشهد هذا فعلا.
.
.
كلنا نحن اللي من غير طوائف، ولظروف وأسباب مختلفة كنا الأقرب لبيئات العلوية، ونعرف بدقة ما كان يجري، نعرف تماماً ماذا كان يحصل لأي معارض علوي، حتى لو معارض للقتل واستباحة الناس، وليس معارض لنظام الأسد، كل واحد تجرأ وعارض تبهدل من أهل بيئته، وتم نبذه، والتنكيل به وبأهله وعائلته، وأنا نفسي أعرف بدقة ما تعرض له أهل زوجي من ضغوطات هائلة وضعتهم بجو خطر جداً في مرحلة ما، وما تعرضنا له أنا وهو ومن أقرب الناس لهم حتى آخر لحظة قبل سقوط النظام، وأصلاً من كتب ورفع تقارير بنبيل زوجي هم أقاربه من ولاد عمومته وعماته ههه ومنهم أصحاب لنا جدا سابقاً. ووصلتنا التقارير تبعهم ونعرفهم بالاسم…
مع هذا كله، وبمنطق العقل والحكمة والضمير، لا يُمكن تحميل جماعة كاملة وزر جرائم طائفية، لا العلوي سابقاً، ولا السني اليوم، ولكن -أكره هذه ال “لكن وال”بس”- واستخدمها اضطراراً، يوجد ثلاثة أفعال جماعية أعتقد أنهما تستحق الاعتذار فعلاً، لأنها كانت جماعية فعلياً، وارتضتها الجماعة الحاضنة، ولم تقف ضدها ولم تنبذها.. وهي:
*أسواق السنة بمدينة حمص، والتي ستبقى وصمة عار على جبين أفراد تلك البيئة، إذ لا يوجد أي مسلم سني، ومهما كان مستفيد ومؤيد للأسد، يقبل بها أو كان مشارك فيها.
ونعم يوجد حرامية ومعفشين من السنة. وسرقوا بيوت السنة أيضاً. لكن لم يبيعوا ويشتروا بأسواق اسمها “أسواق السنة”،…
وهذه الأسواق أعتبره جرح نرجسي هائل للذات الجمعية لأهالي مدينة حمص وأريافها من المسلمين السنة، جرح لن يبرأ إطلاقاً إلا بعد زمن طويل.
ولماذا هذا فعل وجب الاعتذار عنه؟
لأنه هذا فعل جماعي. فالسوق تحتاج مكان أولاً، ورضى وقبول البيئة من الحارة وما حولها أو الحي ووالخ، وتحتاج بائع، وتحتاج مشتري، وتحتاج بضاعة. معروف من أين تأتي…….
هذا فعل جماعي. السكوت عنه جريمة وانتهاك صارخ بحق الآخر على أساس طائفي بحت. وإمعان في إهانة كرامته. ناهيك عن القبول والمشاركة استباحة رزقه وتحليل ذلك، بشكل عادي وطبيعي جدا.
ولو صدر بيان واحد أو فتوى وحدة من مشايخهم بحمص، واللي نبتوا متل الفطر بعد سقوط النظام. لكنا اليوم قلنا:
(هاه. الجماعة استنكروا…)…. للأمانة لم يصدر ولا صوت من داخل هذه البيئات يستنكر هذه الأسواق التي انتشرت بأكتر من مكان بحمص المدينة.
-يوجد تقرير لوكالة رويترز عن أسواق السنة، وتستطلع فيه آراء الناس، وللأمانة الكلام اللي قالوه مخزي جداااا ومعيب ومخجل بحقهم كبشر.
.
.
*اعتراض سيارات الأمم المتحدة ومنعها من المرور لإيصال مواد غذائية وطبية للمحاصرين في أحياء حمص القديمة:
إذ قامت مجموعات سكانية، وليست قليلة باعتراض السيارات، ولدرجة النوم على الأرض في طريق السيارات، وللأسف كان بين المتسطحين أمام السيارات نساء وحتى أطفال!
وهذا فعل تم بشكل جماعي، وإن لم يشارك به الجميع إلا أنهم لم يدينوه وقبلوه وسكتوا عنه. بل كان المئات منهم على طرفي الطريق واقفين يتفرجوا على المتسطحين بالشارع أمام السيارات ويهللوا وينادوا ويصفقوا…… -الفيديوهات موجودة- وبينما كان يموت أطفال حمص المحاصرة من أجل خافض حرارة أو من الهزال والجوع!
.
.
*فرية جهاد النكاح، تلك الفرية التي تبناها غالبية مؤيدي الأسد، والتي استدعت كم هائل من الإهانة للأعراض، والتي لهذا اليوم وهذه اللحظة ننعت بها نحن النساء اللواتي ينتمين لبيئات المسلمين السنة. وما استدعى لاحقاً مقابل للتنابذ من متل”صبايا العطاء” وتبادل شتم الأعراض…ولا يُمكن لأي مسلم سني مؤيد للأسد القبول بهكذا فرية، فهي أيضا امتياز خاص بالشيعة والعلوية. ومعروف من روّج لها ومن تبناها ومن يرميها بوجوهنا لهذه اللحظة.
.
.
عدا هذه الأفعال، لا يوجد سلوك ممكن تحاكم عليه جماعة كاملة، أيا كانت.
.
. واليوم تتم محاكمة الكثير من ردود الفعل، دون الالتفات إلى الفعل الأساسي الذي استدعى تلك الردود، وهذا يستدعي مكاشفة صريحة وبدون خجل. ولا يمكن الاستمرار بهذه الدوامة والدوران بحلقتها المفرّغة إلى الأبد، بدون الاعتراف وشجاعة المُكاشفة.
.
.
نحتاج مكاشفة علناً، واعتراف علني. اعتراف ما زلت أراه بعيد جدا حقيقة.
لأنه ما زال كثر لا يرون بالثورة إلا فورة، ولا يرون بأهلها من السنة تحديدا سوى إرهابيين ودواعش -علما داعش قتلت من السنة بالدرجة الأولى أضعاف ما قتلت من أي ملة – ولا زالت هناك أصوات ليست قليلة ترى الطفل حمزة الخطيب كان رايح مع أبوه يسبي النساء من مساكن الضباط، وما زال وما زال……… لو عددت لن أنتهي…
وهذا إنذار خطر كبير لا يدركون هم أنفسهم تبعاته ولا تبعات إنكاره…
.
.
لا نحتاج اعتذارات، لأنه هذا يأتي ضمن سياقات أخرى من المصالحة المجتمعية في بيئات محلية بعينها، بل نحتاج الاعتراف وعدم الإنكار.
الاعتراف بكل الجرائم التي ارتكبت بحق المسلمين السنة في بيئات الثورة. وأيضا الاعتراف بكل الجرائم المرتكبة بحق أي مكون سوري، سابقا واليوم. والتبرؤ من هذه الجرائم وممن ارتكبها، والقبول وبل المطالبة بتسليم المجرمين وتقديمهم للمحاكمات…
*الأفضل ما أنكش لكم توثيقاتي. لأنه للأمانة كارثية اليوم لو نُبشت تفاصيلها…