وسط أجواء إقتصادية عالمية مشحونة بالقلق، تتجه الأنظار نحو البيت الأبيض، مع ترقب شديد لأية خطوة قد تسهم في تهدئة الأوضاع، بحيث يزداد الخوف من حدوث إنهيار تاريخي في الأسواق المالية مشابه لذلك الذي شهدته الأسواق في “الاثنين الأسود” الشهير عام 1987. وقد انتشرت تحذيرات الخبراء الماليين بصورة واسعة النطاق، مدفوعة بتفاقم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
ففي أعقاب الزيادة الكبيرة التي فرضتها الصين على الرسوم الجمركية رداً على الاجراءات الأميركية الأخيرة، شهدت وول ستريت موجة بيعية حادة، بحيث هوى مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 2200 نقطة في يومين متتاليين. كما فقدت شركات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” أكثر من 5 تريليونات دولار من قيمتها السوقية منذ إعلان الرسوم الجديدة، ليتراجع المؤشر بنسبة 6 في المئة، وهو أسوأ أداء أسبوعي له منذ تفشي جائحة كورونا في العام 2020. ولم تقتصر التداعيات على السوق الأميركية وحسب، بل إمتدت لتؤثر على الأسواق العالمية، مسجلة إنخفاضات حادة في كل من أوروبا وآسيا، إلى جانب تراجع قيمة الدولار وارتفاع حدة القلق بشأن التضخم وتباطؤ النمو.
وحذر محللون بارزون من أن استمرار التصعيد التجاري من دون اتخاذ خطوات ديبلوماسية جادة قد يفضي إلى كارثة اقتصادية حقيقية، مشيرين إلى التشابهات المقلقة بين الظروف الحالية وتلك التي سبقت انهيار عام 1987. وأكدوا أن يوم الاثنين يحمل في طياته أهمية مصيرية، بحيث قد يؤدي عدم اتخاذ خطوات ديبلوماسية عاجلة إلى حالة من الذعر تجتاح الأسواق العالمية.
ودعا الخبراء إلى ضرورة تحرك الادارة الأميركية بسرعة للتواصل مع الدول التي لم تُشارك بعد في فرض الرسوم الانتقامية، وتقديم إشارات إيجابية تساهم في استعادة الثقة المفقودة وتهدئة المخاوف المتزايدة، معتبرين أن أية بادرة إيجابية قد تكون كفيلة بتحويل مسار الأسواق وتجنب السيناريو الأسوأ.
يُذكر أن الأسواق العالمية خسرت تريليونات الدولارات من قيمتها السوقية منذ إعلان الرسوم الجمركية الأخيرة، ولا تزال حالة من عدم اليقين تخيّم على المشهد الاقتصادي. واليوم، تتجه الأنظار نحو العواصم الاقتصادية الكبرى، حيث يترقب الجميع ما ستسفر عنه الساعات المقبلة، وما إذا كانت التحذيرات من “اثنين أسود” جديد ستتحقق أم أن هناك بارقة أمل في الأفق. وبينما يرى البعض في التراجعات الأخيرة فرصة للشراء، يحذر آخرون من مغبة تجاهل المخاطر المتزايدة، مؤكدين أن الحذر هو السبيل الأمثل في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
وبينما تزداد المخاوف من الاثنين الأسود، تثير زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن بدعوة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، القلق في إسرائيل بسبب موعد الزيارة، من أبرزها الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على معظم المنتجات التي تستوردها الولايات المتحدة من العالم، ومن ضمنها إسرائيل.
ويعتبر اللقاء بين ترامب ونتنياهو الثاني منذ تولي الرئيس الأميركي منصبه في كانون الثاني الماضي، إذ التقى الرجلان في واشنطن، في زيارة وُصفت حينها بـ “الأولى التي يقوم بها رئيس أجنبي لترامب منذ تنصيبه”.
أما داخلياً، فلا تزال الأنظار مصوّبة نحو زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس الى لبنان، وإجتماعاتها مع الرؤساء وعدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية، والتي اتسمت بالشكل الهادئ على عكس اللهجة والأسلوب الحاد اللذين إستخدمتهما في زيارتها الأولى الى لبنان، خصوصاً وأن أورتاغوس كانت واضحة مع كل من إلتقتهم حيال ضرورة نزع سلاح “حزب الله”، وأن عملية إعادة الإعمار لن تبدأ قبل نزع هذه الترسانة العسكرية.
وأكدت أورتاغوس في مقابلة تلفزيونية أنها متحمسة ومتفائلة بالحكومة اللبنانية الجديدة، وأن بلادها تطرح بصورة دائمة موضوع نزع سلاح “حزب الله”، وليس الحزب فقط بل جميع الميليشيات في لبنان، وهي تستمر في الضغط على الحكومة لتطبيق كامل لوقف الأعمال العدائية وهذا يشمل سلاح الحزب وجميع الميليشيات بأسرع وقت ممكن.
وأشارت الى أن “رئيس الجمهورية لم يرفض أمامي إنشاء ثلاث لجان ديبلوماسية لبحث ملف المعتقلين وترسيم الحدود وانسحاب الجيش الاسرائيلي”، معتبرة أن “على السلطة والشعب الاختيار: إما التعاون معنا لنزع سلاح حزب الله وتطبيق وقف الأعمال العدائية وإنهاء الفساد وسنكون شريكاً وصديقاً، واما خيار التباطؤ من الحكومة والقادة وهنا لا يتوقعوا شراكة معنا”.
ورداً على سؤال يتعلق بالتطبيع، قالت أورتاغوس: “لم أتحدث مع أحد في لبنان عن هذا الموضوع وما نركّز عليه الآن هو تنفيذ وقف الأعمال العدائية ونزع سلاح حزب الله والاصلاحات الاقتصادية ونأمل أن نصل لاحقاً إلى مرحلة التفاوض وحلّ النزاعات الحدودية وغيرها من القضايا بين لبنان وإسرائيل”.
وكانت المعطيات المتداولة أفادت بأن أورتاغوس تبلغت من المسؤولين اللبنانيين أن لا جدل في حصرية السلاح بيد “حزب الله”، خصوصاً وأن سحبه لم يعد قابلاً للنقاش بل بات محسوماً، ليبقى التوقيت لسحبه، وهذا ما تأخذه الدولة على عاتقها بتواصلها مع الحزب.
وبالتالي يبدو أن لا مفر من سحب سلاح الحزب، خصوصاً وأن الرئيس جوزاف عون تعهد في خطاب القسم بإحتكار الدولة للسلاح وهذا ما تبنته حكومة الرئيس نواف سلام في بيانها الوزراي بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، وإلتزامها يما نص عليه إتفاق الطائف من خلال بسط سلطة الدولة على أراضيها.
وفي الوقت الذي واصل الجيش الاسرائيلي اعتداءاته في الجنوب، ووسّع مناوراته البرية في غزة حيث اشتدت المعارك، قدمت مصر مقترحاً شاملاً من عدة مراحل لإنهاء الحرب المستمرة في القطاع، يشمل وقفاً لإطلاق النار، وتبادل أسرى، وانتقالاً تدريجياً للسلطة، مع ضمانات أمنية وتدخل مباشر للقاهرة في إدارة القطاع خلال فترة انتقالية. يأتي ذلك بعد اعلان الرئيس ترامب قبل أيام أنه سيسعى الى حل مشكلة قطاع غزة.