انشغلت تركيا بالمديح الذي كاله الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لنظيره رجب طيب إردوغان، وإنْ لازم الحذرُ أوساطَ «حزب العدالة والتنمية»، الذي اكتفى أركانه بالحديث عن نفوذ أنقرة المتزايد في الشرق الأوسط. ولعلّ السؤال الأبرز المطروح في سياق التطوّرات المتسارعة على خط أنقرة – واشنطن، هو عمّا يريده ترامب من وراء كل هذا الإطراء لرئيس تركيا؟ وهل هو ذو صلة بمشاريع تخصّ واشنطن في المنطقة والعالم، أو ربّما بالتنافس التركي – الإسرائيلي، لا سيما في سوريا؟ وفقاً لِما ينقله تلفزيون «سي إن إن تورك» عن مصادر رسمية، يتّصل الأمر بالقواعد التي تنوي تركيا إنشاءها لدى الجار السوري، والتي كانت سبباً مباشراً وراء الهجمات الإسرائيلية على مطارات في وسط سوريا.
وأشارت المصادر إلى أنه «لم يتّضح بعد موقع القواعد التي ستنشئها تركيا هناك ونطاقها. ولكن أنقرة ترى بوضوح أن ثمّة جهوداً حثيثة من قِبل قوى مختلفة لتنظيم الجماعات العرقية في سوريا، وجهوداً لإعادة روسيا إلى المشهد السوري، وأخرى تبذلها بعض الدول الأوروبية لتصعيد التوتّرات بين أنقرة وتل أبيب ودعم قوات سوريا الديموقراطية. ويُنظر إلى هذه المحاولات على أنها لتشتيت انتباه الأتراك». واستدركت بأنه لن يكون لهذه الجهود أيّ تأثير على أنقرة التي تستعدّ لاستضافة الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، غداً الجمعة، في زيارة «قد تشهد خطوات ملموسة أكثر».
وعن موقف الأتراك من تصريحات رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، والتي قال فيها «إننا لا نريد قاعدة» تركية في سوريا، قالت المصادر: «سنتّخذ الخطوات التي نراها ضرورية في الوقت المناسب. ستكون هذه الاتفاقات بين دولتين ذواتَي سيادة، وستسهم في استقرار المنطقة وفقاً للقانون الدولي. لا توجد أيّ نيّة لاستهداف دول ثالثة. ويتم تأكيد الرسالة في كل فرصة. وإذا كان من المقرّر إنشاء قواعد، فسيتم ذلك في إطار اتفاق بين تركيا وسوريا».
وعلى ضفة المعارضة، بدت لافتةً مواقف زعيمَي حزبَي «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل، و«المستقبل» أحمد داود أوغلو، بعد لقائهما، أول من أمس، حين قال الأول إن «ما يثير الدهشة ليس ما قاله ترامب، بل حقيقة أن أنصار إردوغان مسرورون بتصريحاته. الرئيس الأميركي يسخر ويهدّد. إذا لم تكونوا (أنصار إردوغان) منزعجين بسبب ذلك، فأنا أشعر بالخجل من أن رئيس جمهورية تركيا يقع في مثل هذه المواقف، يا أصدقائي. ترامب يذكّرنا بالكاهن (آندرو برونسون). يقول إنّنا أخذنا منه كاهننا.
وأذكّركم: ألم يقل إردوغان إنه طالما بقيت هذه الروح في هذا الجسد، فإنه لا يستطيع (ترامب) أن يأخذ هذا الكاهن دون أن يعطي ذلك الكاهن؟ قاصداً بالأخير فتح الله غولن. أليس ترامب هو مَن كتب رسالة إلى إردوغان يطلب فيها منه ألّا يكون غبياً؟». وأضاف: «الآن، يقول ترامب إنه وإردوغان على علاقة جيدة جداً. ويقول الرجل أيضاً إنه يجب تحويل غزة إلى مدينة ساحلية، وبناء الكازينوهات فيها، وإرسال جميع الفلسطينيين إلى الدول العربية الأخرى وتركيا. هل أنت عاجز إلى درجة أنك لا تستطيع أن تطلب من ترامب أن يعرف مكانه؟ أين هي قضية فلسطين بالنسبة إليك يا إردوغان؟».
«نفترض أن إردوغان لن يكون سعيداً بثناء ترامب له في ما يتعلّق بسوريا، بل لعلّه منزعج ويَعتبر ما قاله أمراً خبيثاً»
ومن جهته، رأى داود أوغلو أنه «لا بد من وجود سبب وراء مدح ترامب لإردوغان: إذا كان من أيّ تحرك ضدّ إسرائيل، فاعلم يا إردوغان أنني سأتدخّل. يجب أن يعلم (الرئيس) أنه لا يمكنه أن ينزل إلى قاع البئر بحبل ترامب»، مذكراً بأن هذا الأخير يريد ضمّ الضفة الغربية إلى إسرائيل، كما يسعى إلى السيطرة العسكرية على قطاع غزة.
والنتيجة من وراء مديح ترامب وتهديده، هي:
1- تحييد إردوغان عمّا يجري في غزة.
2- إلحاق الضفة الغربية بإسرائيل في مقابل بعض المكاسب لتركيا في سوريا.
3- سوريا هي ميدان مشترك للتعاون بين تركيا وإسرائيل.
ووفقاً لتقييم القنصل العام التركي السابق في لوس أنجليس غولرو غيزير، والباحث تولغا صاقمان من جامعة «قوجا علي»، في صحيفة «ميللييات» الموالية، فإن ترامب «يبحث عن شركاء أقوياء للعمل معهم في الشرق الأوسط، وهما تركيا وإسرائيل، وذلك في إطار احتواء إيران. ربّما هي المرة الأولى التي يطلق فيها الرئيس الأميركي تصريحات هي بمنزلة إنذار لنتنياهو بأن يكون عاقلاً في سوريا، وفي ذلك دعوة إلى عدم الاصطدام بتركيا».
وتلفت غيزير إلى أن المشكلة الأكبر بين البلدين، «هي غزة، لكن سيُظهر البلدان موقفاً بنّاءً في المدة المقبلة لخفض التوترات في إطار التعاون مع الولايات المتحدة». أمّا صاقمان، فيبيّن أن «إستراتيجية تركيا هي إظهار القوّة في سوريا تجاه إسرائيل قبل استخدامها»، مشيراً إلى أن «نتنياهو قد خرج بانطباع واضح بأن ترامب لا يريد صداماً تركياً – إسرائيلياً في سوريا. إستراتيجية الولايات المتحدة هي في جلب تركيا إلى طاولة التعاون معها في القضايا المختلفة، ومنها التعاون في حال خرجت القوات الأميركية من أوروبا».
وفي «قرار» المعارضة، يكتب عاكف باقي أن «الشيطان يقترب أحياناً من الجهة اليمنى ليخادع، والمديح الذي كاله ترامب لإردوغان يخفي مثل هذه الخطورة، إذ هو يتخفّى أحياناً في صورة الحقيقة ويقترب منّا بصورة ودّية، ولكن أنقرة تعرف أن نيّته ليست إلهية بل شيطانية». ويضيف أن الوزير السابق والعضو في «حزب العدالة والتنمية»، سليمان صويلو، هتف بعد انتصار ترامب، قائلاً: «لقد انتصرت غزة وهَزمت بايدن»، متسائلاً: «هل إن خُطط ترامب لتهجير سكان غزة انتصار للقطاع؟ نحن نفترض أن إردوغان لن يكون سعيداً بثناء ترامب له في ما يتعلّق بسوريا، بل لعلّه منزعج ويَعتبر ما قاله أمراً خبيثاً. أمّا الأمر الآخر الذي يُزعج رئيس الجمهورية، فهو التذكير بحادثة القس برونسون كمثال على حلّ القضايا العالقة بين أميركا وتركيا، أي بالتهديد بتدمير اقتصادنا».