–
تمارس إسرائيل تجاه سورية، منذ سقوط نظام بشّار الأسد، سياسة تقوم على تدمير القدرات العسكرية، وقضم الأراضي. تعتمد التصعيد اليومي، وتتقدم على الأرض في الجنوب، وتضرب في العمق مرافق عسكرية، ولا توفر حتى باقي السلاح التالف الخارج عن الخدمة. والغرض المباشر من الأعمال العدوانية تحقيق أمر واقع، تحتل من خلاله مساحات واسعة من الأراضي السورية من جهة، ومن جهة ثانية تحويل سورية إلى دولة منزوعة السلاح، غير قادرة على الدفاع عن السيادة وحماية الأرض والسكان، وممارسة سلطتها في منطقة الجنوب.
تتذرّع إسرائيل بمسألتين: الخشية من الخلفية الجهادية للفصائل العسكرية، التي وصلت إلى السلطة في دمشق يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولذلك تعمل على نحو استباقي يمنعها من تثبيت سلطتها، قبل أن تتمكن سياسياً وعسكرياً، ومن ثم تتحول إلى مصدر تهديد في المستقبل. وإمكانية قيام تحالف عسكري بين سورية وتركيا، وبناء أنقرة قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية. والحجّتان لا تبدوان مقنعتيْن، ولا تشكل أي منهما مبرّراً لاعتداءات إسرائيل على دولة مستقلة، لا سيما وأنه لم يصدر عن السلطة الجديدة أي موقف عدواني تجاه إسرائيل، بل إنها ترسل الرسالة تلو الأخرى إن أولويتها إعادة بناء سورية، وليس الحرب مع إسرائيل، حتى إنها لم تتحرّك دبلوماسياً، عربياً ودولياً، من أجل وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية. وفي الوقت ذاته، ليس هناك مؤشرات على قيام تحالف عسكري استراتيجي مع تركيا، التي ترتبط بالتزامات تحول دون ذلك، بسبب عضويتها بحلف شمال الأطلسي، وعلاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة.
لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، في وقت يشكل فيه تصعيد الاعتداءات الإسرائيلية عاملَ ضغطٍ على دمشق، المنهمكة بترتيب الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية للانطلاق نحو مرحلة إعادة البناء، وقد شهدت الأيام الأخيرة موجة من الاعتداءات في درعا والقنيطرة، قابلها الأهالي بمواقف بطولية، أدّت إلى سقوط شهداء وجرحى من أبناء القرى الحدودية، وذلك مؤشر مهم إلى بدء تشكل حالة شعبية تتجاوز الموقف الرسمي، غير القادر على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية بالوسائل العسكرية. ومن شأن الرفض الشعبي التعامل مع الاحتلال في القنيطرة، والتصدّي العسكري للقوات الإسرائيلية في ريف درعا الغربي، أن يتطوّر إلى مقاومة شعبية سياسية وعسكرية للدفاع عن الذات، فأهل الأرض لن يسكتوا على العربدة الإسرائيلية، التي تعمل على تهجيرهم وسلب أراضيهم، ومصادرة ما بقي من مصادر مائية، وفصل هذه المناطق عن سورية، خاصة أنهم يدركون بالممارسة أبعاد المخطّطات الإسرائيلية التوسعية، التي تعمل على تنفيذها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في غزّة والضفة الغربية، وحرب الإبادة التي تهدف لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، ورفض الانسحاب من جنوب لبنان، والعمل على اقتطاع جزء من الأراضي اللبنانية.
تستغل حكومة نتنياهو هشاشة الوضع الرسمي في سورية، وتعمل على منع هذا البلد، المنهك اقتصادياً، من التقاط أنفاسه، والانصراف إلى الاهتمام بوضعه الداخلي الصعب. وفي هذه الحالة، على السلطات السورية ألا تقف مكتوفة الأيدي، وتستمر في تلقي الضربات من دون إبداء ردود فعل، ويحتم عليها الموقف الخطير التحرك بعجالة، وفق خارطة طريق حكومية واضحة، لوضع حد لذلك بشتى الوسائل، السياسية أولاً، من خلال تكثيف الاتصالات على المستويين، العربي والدولي، وتصليب الجبهة الداخلية باتباع سياسات تعزز السلم الأهلي، ومعالجة جادة للتجاوزات التي شهدها الساحل السوري، واستكمال الحوار مع “قوات سوريا الديمقراطية”، وفصائل محافظة السويداء، لقطع الطريق على مشاريع الاستثمار الخارجي في الشأن الداخلي السوري.
google newsتابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
دلالات