–
يبدو أننا لم نعتد بعد بشكل كامل على سلوك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقراءاته السياسية، فهو لا ينفك يفاجئنا بتصريح من هنا ولقطة من هناك، ليؤكّد لنا أنه لا يزال في جعبته كثير من “إبداعات” سيقدمها للعالم خلال ما تبقى من ولايته، التي في بدايتها، هذا في حال لم ينجح في مسعاه إلى ولاية ثالثة يبدو جدّياً في العمل عليها، رغم كل المعوقات التي تجعل تحقيق هذه الغاية شبه مستحيل.
قدّم ترامب، في أحدث إطلالاته، ما يمكن اعتبارها الرؤية الأميركية للوضع في سورية، وهو ما يمكن أن ينعكس على مساعي السلطة الجديدة لرفع العقوبات عن البلاد والحصول على اعترافات دولية، في مقدمتها بالضرورة الأميركية. سرد الرئيس الأميركي وخلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض، تفاصيل اتصال هاتفي بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من شأنها أن تقدّم صورة عن كيفية التعاطي الأميركي مستقبلاً مع الشأن السوري.
قال ترامب إنه أبلغ أردوغان “تهانيه” لتمكنه من السيطرة على سورية، مضيفاً “لقد فعلت ما عجز عن فعله الآخرون على مدى ألفي عام. لقد أخذت سورية مهما تعدّدت أسماؤها تاريخياً عبر وكلائك”. ورغم محاولة الرئيس التركي، بحسب رواية ترامب، نفي أي صلة له بالأمر، وتأكيده إنه لم يكن هو “من أخذ سورية”، أصر الرئيس الأميركي على روايته قائلاً “لقد كنت أنت، ولكن حسناً ليس عليك الإقرار بذلك”. وبحسب السياق السردي الذي رواه ترامب، يبدو أن أردوغان أسقط في يده وأراد إغلاق النقاش في هذا الأمر ليختمه بالقول “حسناً ربما كنت أنا من أخذها”، وفق تعبير الرئيس الأميركي نقلاً عن نظيره التركي.
تحمل رواية ترامب لهذا الحديث، والذي لا يمت بصلة إلى الدبلوماسية، تفسيرات وتوقعات للموقف الأميركي من المشهد السوري، إذ يبدو أن الإدارة الأميركية سلمت أن تعاطيها مع الوضع في سورية سيكون عبر “الوكيل” التركي، وهو ما يوضح قرار واشنطن تغيير وضع البعثة السورية في نيويورك من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من الولايات المتحدة، مع ما رافق ذلك من إلغاء التأشيرات الدبلوماسية الممنوحة لأعضائها.
الأكثر خطورة في كلام ترامب أنه جاء بحضور نتنياهو، في وقت تستبيح فيه دولة الاحتلال الجنوب السوري برّاً وجواً وتستهدف قواعد عسكرية في سائر المناطق السورية، في رسائل مباشرة إلى تركيا. وقد عمد ترامب إلى طرح فرضيته لفتح باب التنسيق بين تركيا وإسرائيل في الشأن السوري، عارضاً التوسّط بين نتنياهو وأردوغان لتذليل الخلافات بين الرجليْن، مع ميل واضح إلى أردوغان الذي “يحبّه”، والطلب من نتنياهو أن يكون “عقلانياً” في تعاطيه مع تركيا.
ورغم أن رؤية ترامب للوضع في سورية أنها تدار بأوامر تركية تجافي الصواب بشكل كبير، لكنه يسلّم بهذا الأمر ويتعاطى معه بأنه حقيقة، ويعمل على تنسيق توزيع النفوذ بين تركيا وإسرائيل في الأراضي السورية. ويبدو أنه نجح عملياً في فتح قنوات لخفض التوتر بين الطرفين مع الاجتماع الذي عقد الأربعاء الماضي في أذربيجان بين مسؤولين من البلدين “لتجنّب الصدام”، وهو ما أكدته رئاسة الوزراء الإسرائيلية بالإشارة إلى الحوار مع أنقرة “للحفاظ على الاستقرار في سورية”.
والمشكلة أنه في ظل هذا التنسيق الإسرائيلي التركي اليوم، مترافقاً مع التصور الأميركي لولاءات الإدارة السورية الجديدة، لم يخرج أي من المسؤولين السوريين الحاليين، لتصحيح فكرة ترامب وتأكيد استقلالية القرار السوري وعدم ارتهانه لأي دولة خارجية، ما يعني التصديق ضمناً على كلام الرئيس الأميركي، ويضرب أي جهود ستبذلها الإدارة الجديدة للانفتاح على واشنطن.
google newsتابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
دلالات
بنيامين نتنياهو
دونالد ترامب
حسام كنفاني
حسام كنفاني
مقالات أخرى
إيران وحروب ترامب
04 ابريل 2025
عودة التهجير… “الطوعي”
28 مارس 2025
حياة وسط العدوان
21 مارس 2025
سورية… الجريمة وتداعياتها
14 مارس 2025
المزيد
الأكثر تفاعلا
author
وائل قنديل
لا تفتحوا المعبر
09 ابريل 2025
author
صقر أبو فخر
الشعب الفلسطيني الدائخ: ليأخذوا الأسرى دفعة واحدة
09 ابريل 2025
author
مروان قبلان
مركزية الداخل في مواجهة التحدّيات السورية
09 ابريل 2025
author
عبد اللطيف السعدون
عن فاضل الربيعي
09 ابريل 2025
author
علي أنوزلا
تفاهة الشّر وتفاهة البشر
09 ابريل 2025
author
أرنست خوري
هذا الضعف الأوروبي أمام ترامب
09 ابريل 2025
– –
اشترك الآن في النشرة البريدية ليصلك كل جديد
البريد الإلكتروني