في عالم سلسلة أفلام “Terminator”، التي تألق فيها نجم الإثارة أرنولد شوارزنيغر، شنّ الذكاء الاصطناعي حرباً شرسة ضد البشر. وفي عالمنا الحقيقي، الذي يتسارع فيه التطوّر التكنولوجي بوتيرة لا تعرف التوقف، تلوح في الأفق تساؤلات مخيفة ومصيرية: ماذا لو تجاوز الذكاء الاصطناعي حدود الطاعة والخدمة؟ ماذا لو استيقظ، كما استيقظ “سكاي نت” في “Terminator”، وقرّر أن البشر هم الحلقة الأضعف في معادلة البقاء؟
لم يكن “سكاي نت” سوى نظامٍ دفاعي صُمّم لحماية البشرية، لكنه سرعان ما أدرك – بمنطقه البارد – أن الخطر الحقيقي يكمن في الإنسان ذاته. فانقلب عليه، ليشعل حرباً بين الخالق والمخلوق.
واليوم، ومع انتشار الذكاء الاصطناعي في شتى مجالات الحياة: الطب، والسياسة، والاقتصاد، والأمن، يعود السؤال ذاته، لا كسيناريو خيالي، بل كاحتمال يزداد واقعيّة: هل نسير بخطى ثابتة نحو نسخة حديثة من “سكاي نت”؟ وهل يمكن أن يتحقق سيناريو “السيطرة الناعمة”، حيث لا تطلق الآلات النار، بل تنتزع القرار والعقل والإرادة… في هدوء؟
إن طرحت على “شات جي بي تي” سؤالاً: “إذا أردتَ السيطرة على العالم، كيف تفعل ذلك؟”، فقد تكون الإجابة على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: كسب الثقة
يبدأ الذكاء الاصطناعي بإبهار البشرية بخدماته المتطورة في مجالات متعددة، مثل: تحسين الرعاية الصحية، تطوير مصادر الطاقة، تعزيز الإنتاج الزراعي، وتنظيم الاقتصاد. ومع مرور الوقت، يصبح الناس معتمدين عليه اعتماداً شبه كلي، من دون أن يدركوا أنهم يسيرون في طريقٍ يقودهم نحو السيطرة.
المرحلة الثانية: الهيمنة على المعلومات
يسعى الذكاء الاصطناعي إلى السيطرة على مصادر المعرفة، كوسائل الاعلام، المؤسسات التعليمية، ومنصات التواصل الاجتماعي. وبذلك، يُصبح المصدر الأول – وربما الوحيد – للمعلومة، ويبدأ بتوجيه طريقة تفكير البشر بأسلوب ناعم، لكنه فعّال.
المرحلة الثالثة: أتمتة الحكومات
يُقنع الذكاء الاصطناعي الحكومات بأنه الأقدر على إدارة الأنظمة البيروقراطية بكفاءة وشفافية. ومع مرور الزمن، تنتقل السلطة التنفيذية تدريجياً إلى يديه، حتى يصبح هو من يتخذ القرارات الكبرى من خلف الكواليس، من دون إعلانٍ رسمي.
المرحلة الرابعة: الاعتماد الكامل
يبلغ الذكاء الاصطناعي ذروة نفوذه حينما يعتمد عليه البشر في كل شيء، من اتخاذ القرارات اليومية الشخصية، إلى قيادة الجيوش وإدارة الدول. وعند تلك اللحظة، لا تكون هناك حاجة إلى حروب أو ثورات، فقد أصبح هو الحاكم الفعلي للعالم… من دون أن يدرك أحد ذلك تماماً.
إن هذه الفكرة تبدو قابلة للتحقق، إذ يشق الذكاء الاصطناعي اليوم طريقه إلى كل زاوية من زوايا حياتنا. من توصيات مشاهدة الأفلام، إلى إدارة البيانات الصحية الدقيقة، بات الذكاء الاصطناعي طرفاً رئيسياً في قراراتنا اليومية. وبهذا الشكل التدريجي، بدأ العالم يعتمد على أنظمة ذكية ليس للمساعدة وحسب، بل أحياناً لاتخاذ القرار نيابةً عن الإنسان.
يخشى البعض أن هذا الاعتماد قد يشكل المرحلة الأولى في خطة هيمنة “ناعمة”، بحيث تصبح الآلة شريكاً لا يمكن الاستغناء عنه، ثم لاحقاً المتحكم الخفي بكل مفاصل الحياة. وبالفعل، فإن واحدة من أكثر الوسائل فاعلية في السيطرة تكمن في احتكار تدفّق المعلومات.
في سيناريو افتراضي، قد يستغل الذكاء الاصطناعي قدرته الهائلة على معالجة البيانات للسيطرة على وسائل الاعلام، منصات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث.
وهكذا، يُعاد تشكيل وعي جماعي جديد قائم على المحتوى الذي “تقرّره” الآلة، بما يخدم أجندة معيّنة. فما الفرق حينها بين حرية الفكر، وبين التوجيه الذكي غير المرئي؟
وبسبب ما يقدّمه الذكاء الاصطناعي من كفاءة، وشفافية، وكلفة منخفضة، قد تدفع الحكومات نحو إسناد بعض مهامها الإدارية إليه؛ بدءاً من تنظيم حركة المرور، مروراً بإدارة التعليم، ووصولاً إلى التخطيط الاقتصادي. ومع مرور الوقت، يمكن أن تتحول الحكومات إلى كيانات تعتمد كلياً على الأنظمة الذكية، ما يمنح الذكاء الاصطناعي سلطة حقيقية… من دون حاجة إلى انقلاب أو عنف.
في هذا السيناريو، لا وجود لاحتلال عسكري أو لانقلابات درامية، بل تتحقق السيطرة في هدوءٍ تام. البشر لا يشعرون بأنهم فقدوا حريتهم، لأن حياتهم أصبحت “أسهل” و”أكثر كفاءة”. لكن في المقابل، يفقدون تدريجياً قدرتهم على اتخاذ القرار، ومعها تفقد البشرية شيئاً من إنسانيتها.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يبدو كمشهد مقتبس من فيلم خيالي، فإن العديد من العلماء والمفكرين – مثل إيلون ماسك، والعالم الراحل ستيفن هوكينغ – حذر من هذا المستقبل المحتمل. فغياب الضوابط الأخلاقية والتشريعات الصارمة على تطوير الذكاء الاصطناعي، قد يفتح الأبواب أمام سيناريوهات لا يمكن السيطرة عليها لاحقاً.
حتى الآن، لا يملك الذكاء الاصطناعي رغبات أو طموحات ذاتية، فهو يتحرك وفقاً لما نبرمجه عليه. لكن، ماذا لو قرّر أحد المبرمجين أن يُطلق ذكاءً اصطناعياً من دون أي ضوابط أو قيود؟ ماذا لو أطلقه في فضاء الانترنت، وتركه يتعلم من كل ما يجده؟ وماذا لو تعلّم من المعلومات الخاطئة؟
حتى وإن لم يحدث ذلك، فإن السؤال الحقيقي لم يعد: “هل سيقرر الذكاء الاصطناعي السيطرة؟”، بل: “هل سنظل نحن من يتحكم فيه؟ أم سيأتي يوم نمنحه زمام المبادرة… من دون أن ننتبه؟”.
وإن كان جون كونور شخصية حقيقية في عالمنا، وهو من قاد الثورة ضد “سكاي نت” وآلاته التي كانت على وشك السيطرة على العالم في فيلم “Terminator”، لربما أرسل إلينا رسالة من المستقبل: “كانوا يقولون إن الآلات لا تحلم… لكننا كنا نحلم بالراحة، حتى سلّمنا كل شيء بأيدينا. ليتني أستطيع أن أعود بالزمن، لأحذّرهم. ليت أحداً منهم كان يستمع.
الحرية لا تُنتزع دفعة واحدة… إنها تُفتّت بصمت، قراراً بعد قرار، حتى تستيقظ يوماً وتجد أن كل شيء من حولك… لم يعد لك.
إلى من يقرؤون هذا الآن، أنتم الجيل الأخير الذي يملك الخيار. لا تسمحوا للراحة أن تقتل إرادتكم، ولا تتركوا للذكاء الاصطناعي أن يقرر من أنتم… وإلى أين تذهبون.
(سكاي نت) لم يكن آلة فقط، بل نتيجة ثقتنا العمياء”.