بعد أيّام يزور الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لبنان، فيما بدأت مسألة نزع السلاح الفلسطيني داخل المخيّمات وخارجها تجذب الاهتمام.
مقابل تصنيفه ضمن المسار الشائك لاستعادة الدولة سيادتها على أراضيها بقواها الذاتية، لا تستبعد أوساط فلسطينية ولبنانية أن يخضع الأمر للمناورة. يُخشى أن تتكرّر مناورة تحويل السلاح الفلسطيني إلى وسيلة لتأجيل مسألة سلاح “الحزب” وبعض أحزاب الممانعة. تشير بعض المعطيات إلى أنّ سحب السلاح الفلسطيني سيخضع لخلاف فلسطيني داخلي أسوة بالخلاف اللبناني. وبعضها الآخر يفيد بأنّ سلاح الفصائل الفلسطينية المُمانِعة مرهونٌ بدوره بقرار “الحزب”.
كرّر “أبو مازن” استعداد منظّمة التحرير الفلسطينية للتخلّي عن السلاح في لبنان أثناء اجتماع مجلسها المركزي قبل أيّام، حين قال: “ليس لنا الحقّ في استعمال السلاح في لبنان”. في سياق كلامه دعا “حماس” إلى تسليم سلاحها للسلطة الوطنية الفلسطينية، والتحوّل إلى حزب سياسي… وتكاد التعابير أن تكون هي نفسها التي تُستخدم في لبنان حيال “الحزب” وسائر الميليشيات.
السّلاح الفلسطينيّ إلى الصّدارة
يُنتظر أن يقفز موضوع السلاح الفلسطيني إلى الصدارة في جملة الخطوات لاحتكار الدولة السلاح. تطبيق خطاب القسم للرئيس جوزف عون والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نوّاف سلام يحتاج إلى عملية سياسية بموازاة ترتيبات أمنيّة. وتنطبق هذه القاعدة على السلاح الفلسطيني، إذ إنّ تعقيدات لا تحصى تواجه معالجته.
في حزيران من عام 2006 قرّر “مؤتمر الحوار الوطني” الذي رأسه رئيس البرلمان نبيه برّي، جمْعَ السلاح الفلسطيني من المخيّمات و”تنظيمه” (أي ضبطه) داخلها. شمل الاتّفاق أن يبذل الأمين العامّ الراحل حسن نصرالله جهوداً لدى الفصائل الفلسطينية ومع دمشق كي تتجاوب. لكنّ دمشق أوفدت الراحل أحمد جبريل الأمين العامّ لـ”الجبهة الشعبية – القيادة العامّة”، الموالي لها، إلى بيروت لرفض تسليم السلاح، وكذلك فعلت قيادة “الصاعقة”.
بعد أيّام يزور الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لبنان، فيما بدأت مسألة نزع السلاح الفلسطيني داخل المخيّمات وخارجها تجذب الاهتمام
أُحبِط الأمر لأنّ السلاح الفلسطيني في حينها كان يشكّل “خطّ الدفاع الأوّل” عن حاجة محور الممانعة إلى استمرار سلاح “المقاومة”. كان نجاح جمع السلاح الفلسطيني سيمهّد لإثارة مصير سلاح “الحزب”، وتعطيل سحب السلاح الفلسطيني يؤجّل ذلك. فما كان مطروحاً هو السعي إلى استيعابه في إطار الاستراتيجية الدفاعية التي لم ترَ النور منذ 19 سنة. حصل ذلك في الفترة الانتقالية بين أفول إدارة سوريا الأسد للبنان بانسحاب قوّاتها في نيسان 2005، وتوثّب الإدارة الإيرانية للحلول مكانها. سرّعت حرب تمّوز في تمكين طهران من الإمساك بلبنان. وبات السلاح الفلسطيني تحت مظلّة سلاح “الحزب”.
هل يتكرّر سيناريو 2006 حيال السلاح الفلسطيني وسلاح “الحزب”، على الرغم من تبدّل الظروف، بعد الخسائر الضخمة التي تلقّاها الأخير في حرب إسناد غزة، التي أنهكت “حماس”، وسقوط نظام الأسد؟
السّلاح الفلسطينيّ خطّ دفاع عن سلاح “الحزب”؟
من الحجج التي يثيرها “الحزب” لتأخير سحب سلاحه:
مواصلة إسرائيل احتلالها التلال الخمس في الجنوب وانتهاكاتها لاتّفاق وقف النار والأعمال العدائية. هذا على الرغم من أنّه ثبت أنّ اختلال ميزان القوى مع إسرائيل لن يفيد في إخراجها منها.
الصدامات المتكرّرة على الحدود الشرقية مع مجموعات سوريّة. يثير “الحزب” مخاوف من أن تكرّر مجموعات إسلامية أصوليّة السيطرة على مناطق بقاعية كما فعل “داعش” و”جبهة النصرة” سابقاً. يعطي “الحزب” بعداً مذهبيّاً لذلك باسم الدفاع عن مناطق شيعية.
لتبدأ السلطة بنزع السلاح الفلسطيني الذي تشمله القرارات الدولية. ثمّ يجري بحث استراتيجية الأمن القومي للإفادة من قوّة المقاومة.
بهذا التسلسل تتوافر ظروف تأخير بتّ مسألة سلاح “الحزب” إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
حاجة إيران إلى توظيف السّلاح في التّفاوض
مع اختلاف الظروف، فإنّ الثابت الوحيد هو استمرار الحاجة الإيرانية إلى توظيف سلاح “الحزب” في إطار التفاوض الجاري على برنامجها النووي. وهذا ما يفسّر مجازفة السفير الإيراني مجتبى أماني بالانكشاف في دفاعه العلنيّ عن السلاح، غير مكترث باتّهامه بالتدخّل في شأن داخلي.
عام 2006 توخّت طهران من خطف المقاومة لجنديَين إسرائيليَّين، (وهو ما أشعل الحرب) تحريك المفاوضات في الملفّ النووي. كان الخلاف حينئذٍ مع دول الغرب على نسبة تخصيب اليورانيوم، ودعمها العمليّات العسكرية ضدّ القوّات الأميركية في العراق انطلاقاً من سوريا.
خلال اجتماع تعارف بين الرئيس الجديد للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السفير السابق رامز دمشقية والفصائل الفلسطينية، بحضور السفير الفلسطيني أشرف دبّور، بادر الأخير لإثارة مسألة استعداد منظّمة التحرير للتجاوب مع سحب السلاح الفلسطيني “لأنّه لا فائدة منه”. لم يناقش الاجتماع الموضوع باعتبار أنّه سيُبحث مع الرئيس عبّاس. ولم يعلّق على كلام دبّور أيٌّ من ممثّلي الفصائل الحاضرة، بما فيها “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
لكنّ مصادر فلسطينية أبلغت “أساس” أنّ هناك من يلتفّ على استحقاق نزع السلاح هذه المرّة، بخطوات عدّة:
طالب قياديون في “الحزب” نظراءهم في “حماس” بالتفاهم مع “الحزب” قبل الدولة اللبنانية في مسألة السلاح الفلسطيني. بات بعض كوادر الحركة يردّد أنّه يجب أن “تتفاهموا مع “الحزب” على مصير سلاحنا، ويصعب أن نوافق على أيّ خطوة من دون “الحزب”.
اجتماع أحزاب الممانعة بعد غياب، الثلاثاء الماضي، في مقرّ “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، لإدانة استدعاء الخارجية اللبنانية السفير الإيراني بعد تصريحه عن السلاح، والتأكيد أنّ المقاومة “مشروعة”.
بعض التحرّكات الأمنيّة من نوع قيام فصائل فلسطينية في مخيّم البدّاوي في طرابلس بفتح ثغرات في جدار اسمنتي أقامه الجيش لفصل المخيّم عن أحياء تحصل معها احتكاكات أو مشاكل. وعلى الرغم من أنّ “فتح” في البدّاوي أكّدت استعدادها لتسليم السلاح، تبقى الخشية من التسبّب بصدامات جرّاء فتح هذه الثغرات. فهل من أحد يسعى إلى التسبّب بفوضى أمنيّة تأسيساً للحجّة القائلة: إذا من فوضى تطال المخيّمات فهناك حاجة إلى ضبطها بسلاح “حماس” وغيرها.
إقرأ أيضاً: عن تهافت التتفيه… حول كلام نعيم قاسم
لا ينفصل التمسّك بالسلاح في لبنان عن الدفاع الشرس عن سلاح الميليشيات في العراق، وعن حقوق الحوثيين في اليمن، وعن تمرّد فلول نظام الأسد على السلطة السوريّة الجديدة، وعن احتفاظ “حماس” بسلاحها… كأنّ هناك محاولة لإحياء “وحدة الساحات”.