اكرم حسين
·
في خضم الواقع المأزوم الذي يعيشه الكرد في سوريا، تُطرح بين الحين والآخر دعوات تُركّز على أولوية الخدمات، وتنتقد تغييبها من خطاب الفاعلين السياسيين، معتبرةً أن المطالب اليومية من كهرباء وماء وتعليم وصحة هي المُقدّمة الأولى للكرامة، وما دونها لا يُغني عن جوع.
ويبدو هذا الطرح، للوهلة الأولى، منطقياً ومحقاً، لكنه يفتقر إلى النظرة الشمولية التي تربط بين الخدمات بوصفها نتيجة، وبين جذور المشكلة المتمثلة في غياب حلٍّ سياسي عادل. فالحديث عن تحسين الخدمات ضرورة لا بد منها، لكنه في ظل انعدام الاستقرار وهيمنة سلطة أمر واقع لا تخضع للمساءلة ولا التشاركية، يصبح كمن يعالج الحمى دون التطرّق إلى أصل المرض. فلا يمكن بناء مدارس، ولا تأمين مياه نظيفة، ولا إطلاق مشاريع تنموية في مناخ هشّ، تتنازع فيه الشرعيات، ويغيب عنه الأمان، ويُقصى فيه الشعب الكردي من دوائر القرار .
القضية الكردية، منذ بداياتها، هي مسألة إنكار للهوية، ومظلومية تاريخية قامت على الإقصاء والتمييز والحرمان من أبسط الحقوق القومية والسياسية. واختزالها في مطالب معيشية، مهما بلغت أهميتها، يُعدّ تسطيحاً للصراع، وإعادة إنتاج لنفس النظرة المركزية التي طالما عانى منها الكرد لعقود.
صحيح أن سلطة الأمر الواقع تتحمّل مسؤولية تردّي أوضاع الكرد الخدمية، لأنها تمتلك أدوات الدولة وتتحكم في مواردها. لكن معظم مناطقهم ظلّت لعقود مهمَّشة تنموياً عن عمد، وهي اليوم ضحية صراع نفوذ إقليمي ودولي، إضافة إلى تنافس داخلي، دون أن تُتاح للكرد فرصة اختيار نموذج إداري ديمقراطي يعكس إرادتهم ويستجيب لاحتياجاتهم.
أما المعارضة السورية، التي رفعت في أدبياتها شعارات الديمقراطية والمساواة والدولة المدنية، فقد أخفقت في بلورة رؤية عادلة تجاه القضية الكردية، واكتفت بتطمينات لفظية من قبيل أن “القضية الكردية قضية وطنية بامتياز”، دون أن تُترجم هذه التطمينات إلى مواقف عملية، لا في وثائقها ولا في خطابها العام ، ولم تتقدّم بخارطة طريق لحل القضية الكردية، بل أرجأتها إلى ما بعد “سقوط الأسد”، وها هي اليوم تلوذ بالصمت.
السبيل الحقيقي لتحسين حياة الناس لا يبدأ من صيانة خط كهرباء هنا أو تعبيد طريق هناك، رغم أهميتهما، بل من مشروع وطني شامل، يُعيد بناء الثقة، ويُكرّس مبدأ الشراكة لا الوصاية، ويضع حداً لدوائر التهميش القومي والسياسي. فالمصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية، والاعتراف بالحقوق القومية للكرد، هي شروط أولى لحياة كريمة مستدامة.
أخيراً، فإن القضية الكردية هي بوابة العدل والمساواة لسوريا المستقبل، ومن لا يقبل بالكردي شريكاً، لن يكون ضامناً لأي استقرار أو ازدهار.