دعم تركي متواصل
دمشق – أكد مجلس الأمن القومي التركي الخميس استمرار دعم أنقرة القوي لجهود الحكومة السورية الرامية لضمان الاستقرار، في وقت يقول فيه مراقبون إن اجتماع أعلى هيئة أمنية سيادية في تركيا لمناقشة الوضع في سوريا يؤكد صحة التوقعات بشأن فوضى أمنية واسعة قد تشهدها البلاد خلال المرحلة المقبلة بعد الاستهدافات التي طالت الأقليات وعجز الحكومة عن حمايتها.
وزرع العنف الذي قام به مسلحون حكوميون أو متحالفون مع القوات الأمنية على المناطق الدرزية، وقبل ذلك الهجمات الحادة على المناطق العلوية، قناعة لدى الأقليات بأن حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع مخترقة على نطاق واسع من المتشددين، وأنها عاجزة عن التحكم فيهم، إن لم يكن هناك توزيع أدوار متفق عليه بشكل مسبق.
ويرى مراقبون أن الأقليات قد تلجأ إلى تنفيذ تحركات سلمية واسعة، وربما تتخللها مواجهات مسلحة إذا لم تلجم الحكومة المسلحين المتشددين، السوريين والأجانب، داخلها، مشيرين إلى أن العنف تحت مظلة الحكومة قد يدفع إلى خلط الأوراق وتدخل أطراف كانت تنتظر الفرص لإرباك الوضع في سوريا مثل قيادات متخفية من نظام بشار الأسد وميليشيات مسلحة حليفة كان قد تم تدريبها خلال الحرب الأهلية على أيدي خبراء إيرانيين أو من حزب الله اللبناني.
في مقابل الاستثمار الإيراني والإسرائيلي لتوترات الوضع في سوريا، ستسعى تركيا للوقوف إلى جانب حكومة الشرع لإفشال ما قد يكون تم ترتيبه من تحركات واسعة بين الأقليات
ويمكن أن تجد الاحتجاجات العلوية أو الدرزية دعما إعلاميا خارجيا من إيران أو من إسرائيل اللتين تبحثان عن بوابة للتأثير في المشهد السوري الجديد موظفة المظالم التي تتعرض لها الأقليات وسوء تقدير الحكومة السورية لمخاطر ذلك بإطلاق أيدي مجاميع مسلّحة تتحرك باسمها.
وفي مقابل الاستثمار الإيراني والإسرائيلي لتوترات الوضع في سوريا ستسعى تركيا للوقوف إلى جانب حكومة الشرع ودعمها عسكريا وأمنيا ودبلوماسيا لإفشال ما قد يكون تم ترتيبه من تحركات واسعة ومتزامنة بين الأقليات في الجنوب والساحل والشرق. ويعكس هذا الاهتمام التركي عقد اجتماع أمني على مستوى عال بإشراف الرئيس رجب طيب أردوغان، في المجمّع الرئاسي.
وأكد بيان مجلس الأمن القومي أن الاجتماع ناقش التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة السورية من دون التفصيل في هذه الأحداث وهل تتعلق بتحركات الدروز أم بالتدخل الإسرائيلي أم بالمخاوف من تداعيات استهداف العلويين، الذي أثار غضبا واسعا في العالم بما في ذلك داخل العلويين في تركيا.
وشدّد البيان على ضرورة وفاء الأطراف الدولية بمسؤولياتها في القضاء على المخاطر الناجمة عن السياسات الإسرائيلية، وهو ما قد يفهم منه مخاوف من توسيع إسرائيل أعمالها في سوريا بالرغم من لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس السوري في السعودية وامتداحه له، وقراره رفع العقوبات عن سوريا.
ولا يستبعد أن توسع إسرائيل عملياتها في سوريا تحت مظلة حماية الدروز ومستفيدة من الغضب الشعبي على التدخلات الحكومية العنيفة ضد المسلحين المحليين الدروز، وهي تعرف أن البيت الأبيض لن يقف بوجهها كما هو الحال في غزة، حيث يعبر ترامب عن رغبته في إنهاء الصراع في غزة دون أن يعلق على ما تقوم به إسرائيل.
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أطلق تصريحات متناقضة مع موقف ترامب الإيجابي تجاه قدرة الشرع على التغيير. وقال روبيو إن السلطة الانتقالية السورية ربما تكون على بُعد أسابيع من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة.
وقال روبيو للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ “بصراحة، في ظل التحديات التي تواجهها، فإن السلطة الانتقالية ربما تكون على بُعد أسابيع، وليس شهورا، من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد كارثية، في مقدمتها تقسيم البلاد.”
وحذر كبير مسؤولي الأمم المتحدة في سوريا جير بيدرسن الأربعاء من “المخاطر الحقيقية لتجدد الصراع وتعميق المواجهة” في البلد الذي مزقته الحرب.
وشدد جير بيدرسن على الهشاشة في البلد متعدد الأعراق و”الحاجة الملحة لمعالجة الاستقطاب المتزايد،” مشيرا إلى أعمال العنف ضد الأقلية الدرزية في أواخر أبريل في أعقاب أعمال القتل التي وقعت في مناطق الأقلية العلوية في مارس.
وفي جانب آخر من التوترات السورية يضغط الرئيس التركي على حكومة دمشق من أجل الإسراع بتنفيذ الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية بما يعنيه من نزع السلاح وإدماج المقاتلين في القوات الحكومية، وهو ملف إن ضغطت فيه سوريا قد يقود إلى تفجر صراع في منطقة الشرق بعد توترات الساحل والجنوب، ويمثل بيئة ملائمة لانتفاضة شاملة ضد حكم الشرع.
يمكن أن تجد الاحتجاجات العلوية أو الدرزية دعما إعلاميا خارجيا من إيران أو من إسرائيل اللتين تبحثان عن بوابة للتأثير في المشهد السوري الجديد
وقال أردوغان إنه يتعين على الحكومة السورية التركيز على اتفاقها مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والذي ينص على اندماجها في القوات المسلحة السورية، وحث دمشق على تنفيذه.
ونقل مكتب الرئاسة التركية عن أردوغان قوله “نتابع عن كثب قضية وحدات حماية الشعب الكردية بشكل خاص. من المهم ألا تصرف إدارة دمشق اهتمامها عن تلك المسألة.” وتقود وحدات حماية الشعب الكردية جهود قوات سوريا الديمقراطية.
ومن شأن التدخل التركي في الموضوع والضغط على دمشق لتسريع تنفيذ الاتفاق أن يثير مخاوف الأكراد.
وقال آلدار خليل عضو هيئة الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب المهيمن في شمال شرق سوريا، “ستكون وثيقة الرؤية الكردية أساسا للمفاوضات مع دمشق.. الوفد على وشك أن يكون جاهزا للتفاوض مع دمشق.” لكنه أضاف “قد نواجه بعض الصعوبات لأن موقفهم لا يزال متصلبا.”
وتشير تعليقات خليل إلى عدم إحراز تقدم يذكر في تقريب وجهات النظر بين الجانبين منذ أن وقّعا اتفاقا في مارس بهدف دمج هيئات حاكمة وقوات أمن يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا مع الحكومة المركزية في دمشق.
وكانت السلطات التي يقودها الأكراد أجرت بالفعل اتصالات مع دمشق، بما في ذلك من خلال لجنة مكلفة بمناقشة مستقبل قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، وهي قوة أمنية قوية مدعومة من الولايات المتحدة.