قيادة كردية مرنة تسهل مهمة الشركاء
زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني إلى الولايات المتحدة جاءت لتضيف صفحة جديدة إلى السجل الثري للعلاقة بين الإقليم وواشنطن التي نظرت دائما إلى قيادته السياسية باعتبارها شريكا جديرا بالثقة ومستجيبا لمقتضيات السياسة الأميركية تجاه العراق ككل ومتمتّعا بقدر من المرونة في معالجة القضايا المشتركة، وهو ما افتقدته الإدارات الأميركية في الغالب لدى القوى الممسكة بمؤسسات الدولة الاتحادية العراقية.
أربيل (إقليم كردستان العراق)- قطع إقليم كردستان العراق من خلال زيارة رئيس حكومته مسرور بارزاني إلى واشنطن خطوة جديدة باتجاه إثراء وتوسيع علاقاته مع الولايات المتحدة التي أظهرت اهتماما مستمرا ببناء شراكة مع قيادته عابرة لتعاقب إداراتها وتغيرها المستمرّ.
ولم تخرج إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب عن ذلك النهج الذي جسّدته مجدّدا في توثيق الشراكة مع الإقليم في مجال الطاقة ذي الأهمية والحساسية الاستثنائيتين.
وتوفّر مرونة الشخصيات القيادية لتجربة الحكم الذاتي في إقليم كردستان لاسيما قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني الطرف الأقوى في تلك التجربة للشريك الأميركي سهولة في التعامل وقدرة على معالجة الملفات المشتركة لا يجدهما ذلك الشريك دائما لدى الأطراف القائدة للسلطة الاتحادية العراقية والمحكومة في تحركاتها باعتبارات ثانوية أيديولوجية وسياسية تتصل بعلاقات تلك الأطراف بإيران ونفوذها في العراق.
مايك بومبيو: موارد الإقليم وحوكمته الفعالة تجعلانه لا يشكل عبئا على الموارد الأميركية
وتجسّد ذلك مجدّدا في تعاون واشنطن مع الإقليم في مجال الطاقة ذي الأهمية الإستراتيجية حيث شهدت زيارة بارزاني إلى الولايات المتّحدة توقيع اتفاقيتين لتطوير حقلي غاز ميران وتوبخانة كردمير في محافظة السليمانية مع شركتي إتش.كيه.إن إنرجي ووسترنزاغروس الأميركيتين.
واعترضت حكومة بغداد على توقيع الاتفاقيتين لكن خبراء الشؤون العراقية وصفوا الاعتراض بالشكلي معتبرين أن الحكومة العراقية غير قادرة على المضي في اعتراضها أبعد من التصريحات السياسية كون الطرف الثاني في الاتفاقيتين ليس سوى الولايات المتحدة التي ترتبط معها الحكومة العراقية بمصالح شديدة الحيوية لا يمكن أن تقامر بتعريضها للخطر، خصوصا وأن سياسة الطاقة العراقية بالذات هي مدار تحفظات أميركية كبيرة تتعلّق باستيراد العراق للكهرباء والغاز من إيران ما يشكّل مخالفة للعقوبات المفروضة من قبل واشنطن على طهران.
وقال سفین دزیي مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان إنّ الإقليم وكذلك العراق في حاجة ماسة إلى الغاز الطبيعي الأمر الذي يفسّر حضور ملف الطاقة كبند رئيسي في محادثات رئيس الوزراء مسرور بارزاني مع المسؤولين في إدارة ترامب.
وأشار في تصريحات لوسائل إعلام محلية إلى أهمية زيارة بارزاني إلى واشنطن والتفاهمات التي تمخضت عنها بما في ذلك توقيع اتفاقيتين إستراتيجيتين في قطاعي النفط والغاز مع شركتين أميركيتين رائدتين.
وبشأن موقف الحكومة العراقية من الاتفاقيتين عبر دزيي عن أمله في أن “تتفهم بغداد أن مثل هذه الاتفاقيات تصبّ في مصلحة العراق كله وليس كردستان فقط،” موضحا بالقول “نحن ننتظر تسريع عمليات إنتاج الغاز الطبيعي فوجود استثمارات أجنبية في كردستان والعراق هو إنجاز مشترك يدعم برامج الحكومتين على حد سواء.”
وحثّت واشنطن الحكومة العراقية باستمرار على تخفيف الارتهان في مجال الطاقة لإيران وعرضت عليها المساعدة التقنية للتحول نحو الاعتماد على القدرات الذاتية الضخمة للعراق، لكن بغداد أظهرت ثقلا في الاستجابة وإنجاز ذلك التحول بالسرعة المطلوبة.
وذكّر دزيي بأن “للشركتين الأميركيتين حضورا طويل الأمد في الإقليم حيث تعملان منذ نحو خمسة عشر عاما، وستتركز مهمتهما المستقبلية على تطوير وإنتاج الغاز الطبيعي عالي الجودة ومن ثم النفط.”
سفین دزیي: الإقليم وكذلك العراق في حاجة ماسة إلى الغاز الطبيعي
وأشار إلى أن الهدف من اجتماعات رئيس وزراء الإقليم مع أعضاء الكونغرس ومسؤولي إدارة الرئيس ترامب هو “تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة مستجدات الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا في سوريا إلى جانب تنسيق الجهود المستقبلية لضمان استمرار الأمن والاستقرار وتوسيع آفاق التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل.”
وعبّرت إدارة ترامب من جهتها عن الأهمية التي توليها الولايات المتحدة للعلاقة مع إقليم كردستان العراق وذلك على لسان وزير الخارجية ماركو روبيو الذي وصف الحكم الذاتي الذي يتمتع به الأكراد في إقليم كردستان بحجر الأساس في المقاربة الأميركية تجاه العراق.
وقال روبيو في شهادة أدلى بها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي إن المسؤولين العراقيين أعربوا عن رغبتهم في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، مؤكّدا أن واشنطن أوضحت أن “جوهر هذه العلاقة يقوم على احترام الشركات الأميركية العاملة في العراق، إلى جانب احترام الحكم الذاتي للأكراد“.
ويظل من أبرز مظاهر قوة العلاقة بين إقليم كردستان والولايات المتحدة كون التفاهم والتنسيق بين الطرفين عابر لتعاقب الإدارات الأميركية وتغيرها باستمرار رغم أن ذلك التغير كثيرا ما أثّر في سياسات واشنطن ومقارباتها لملفات الشرق الأوسط.
وعبّر عن ذلك الثبات والاستمرار مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي السابق والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مقال نشره في صحيفة “نيويورك بوست”، ومما ورد فيه أنّ زيارة مسرور بارزاني إلى واشنطن تمثل لحظة مهمة لإعادة تقييم العلاقة الأميركية مع الأكراد الذين وصفهم بأنهم من “أكثر شركاء أميركا موثوقية في الشرق الأوسط،” مشيرا إلى أنهم “أظهروا صداقتهم من خلال العمل والتضحية، وليس مجرد الخطابات“.
وذكر بومبيو في مقاله أن الأكراد “قاتلوا باستمرار أسوأ أعداء أميركا مثل داعش والقاعدة، وساهموا في تحقيق استقرار إقليمي دون أن يكلفوا الولايات المتحدة أرواحا أميركية أو يتورطوا في الإرهاب المعادي لأميركا.”
زيارة بارزاني إلى الولايات المتّحدة شهدت توقيع اتفاقيتين لتطوير حقلي غاز ميران وتوبخانة كردمير في محافظة السليمانية
كما عرض وزير الخارجية الأميركي السابق لآفاق الشراكة الاقتصادية بين بلاده وإقليم كردستان مشيرا إلى الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة التي يزخر بها إقليم كردستان، ومذكّرا بأن حكومة الإقليم تمتلك ما يُقدّر بنحو خمسة وأربعين مليار برميل من النفط أي ما يقارب ثلث احتياطيات العراق إلى جانب حقول غاز طبيعي كبيرة ورواسب معدنية قيمة.
وأوضح أن هذه الموارد إلى جانب الحوكمة الفعالة رغم القيود المفروضة من بغداد، تجعل من كردستان شريكا مؤهلا للاكتفاء الذاتي اقتصاديا، معتبرا أنّ “حرية كردستان الاقتصادية ستعزز من مكانته كشريك إستراتيجي دون أن يشكل عبئا على الموارد الأميركية“.
ووصف التجربة الكردية بأنها تمثل استثناء في المنطقة قائلا “في مشاركتي الدبلوماسية عبر الشرق الأوسط، رأيت كيف تبرز كردستان كجزيرة من التسامح والتعددية النسبية. وقد رفضت المجتمعات الكردية الأيديولوجيات المعادية لأميركا ومعاداة السامية، وأظهرت التزاما بالقيم الديمقراطية“.