تقف بيروت ودمشق على ضفّتين متقابلتين من نهر التحولات الاقليمية. سوريا الخارجة من تحت رماد عقوبات طويلة، تدخل مرحلة جديدة بإدارة الرئيس أحمد الشرع، بحيث تغادر فصائل إيران الواحدة تلو الأخرى، وتُغلق مقراتها، وتُسلَّم الأسلحة، بينما تفتح الأسواق ويُعاد رسم الدور الاقليمي. أما لبنان، فالمربك المتردد، لا يزال غارقاً في لعبة ازدواج السلاح، وتثبيت الدولة على الورق.
في كلمته أمام “مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان”، يقدّم الرئيس جوزاف عون صورة لبنانية واعدة: دولة على طريق القانون، جيش يعيد الثقة، مؤسسات تتلمّس طريق التعافي، وعلاقات متينة مع الولايات المتحدة. لكن الواقع يُكذب الطموح حين لا يزال أصحاب البنادق خارج المؤسسة الشرعية يتحدثون عن اقتحام الجليل مجدداً.
في سوريا، المشهد مغاير تماماً. الفصائل الفلسطينية المدعومة من إيران أُجبرت على الرحيل، أسلحتها صودرت، وقياداتها طُرِدت أو اعتُقلت. المشهد الأمني تغيّر. والأهم أن واشنطن، التي كانت حتى الأمس تُهدد دمشق، باتت اليوم تقول للبنانيين: “خذوا من الشرع مثالاً”. على لسان المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، جاءت الرسالة واضحة: لا استثمارات ولا استقرار من دون نزع السلاح، ومن دون إصلاحات اقتصادية جذرية. لبنان، الذي يُطالب اليوم بسحب سلاح الفصائل الفلسطينية من المخيمات، يبدو متأخراً عن جاره الشرقي بخطوتين على الأقل.
نعم، يجري الحديث في بيروت عن جدول زمني يبدأ منتصف حزيران لسحب السلاح من المخيمات، لكن التجارب اللبنانية تعلّمنا أن اللجان قد تتحول إلى غبار بيروقراطي، ما لم يُرفَق القرار السياسي بالإرادة الفعلية. وما لم يشمل القرار سلاح “حزب الله”، يبقى الحديث عن حصرية السلاح منقوصاً، وانتقائياً.
اللافت أن حركة التاريخ في سوريا اليوم تسير عكس ما كانت عليه لعقود. النظام الجديد يطرد فصائل طهران، ويفاوض الغرب، ويستقبل رئيس السلطة الفلسطينية، في لحظة يبدو فيها لبنان وكأنه يعيش عقدة الماضي، غير قادر على حسم خياره بين دولة وجمهورية ميليشيات.
أمام هذا التحول، يغدو السؤال ملحاً: لماذا يُكافأ الشرع في دمشق بينما يُترك عون في بيروت يواجه العبث وحده؟ السبب ليس في النيات الدولية، بل في أداء داخلي يراوغ، ويتأخر، ويعجز عن فك الارتباط مع واقع لم يعد قابلاً للاستمرار.
الرسالة الأميركية واضحة: لا حصرية سلاح إلا للدولة، ولا اقتصاد من دون إصلاح، ولا سيادة من دون قرار لبناني جريء يخرج من العباءة الايرانية، كما خرجت دمشق منها قسراً أو طوعاً.
المفارقة أن لبنان، الذي دفع أثمان الحرب الأهلية بفعل السلاح الفلسطيني، يكرّر اليوم بعض فصول تلك المأساة من خلال المراوغة حول سلاح “المقاومة”. والمطلوب، كما تقترح واشنطن بوضوح، هو نموذج شبيه بما يحدث في سوريا، ولكن بإرادة لبنانية لا عبر الضغط الأميركي فقط.
الجنوب يستعد للمعركة
جنوباً، أتمت المحافظة الخطوة ما قبل الأخيرة لتحضيراتها الإدارية واللوجيستية المتعلقة باجراء الانتخابات البلدية والاختيارية التي تنطلق صباح اليوم. وشهدت سرايا صيدا توافد رؤساء الأقلام والكتبة المكلفين بانجاز العملية الانتخابية على صعيد مدينة صيدا وقرى قضائها إلى السرايا، حيث تسلموا بإشراف ومتابعة وزير الداخلية والبلديات أحمد حجار عبر غرفة العمليات المركزية في الوزارة، ومحافظ الجنوب منصور ضو في آن معاً صناديق الاقتراع كل تبعاً لمنطقته والقلم المولج مسؤوليته.
وأنهت قائمقامية جزين تسليم الصناديق للانتخابات البلدية والاختيارية، وتعتبر 23 قرية في منطقة جزين فازت بالتزكية من مخاتير وبلديات في حين استمر العمل لاعلان فوز بلديات أخرى بالتزكية، علماً أن المهلة الأخيرة لاستقبال طلبات انسحاب المرشحين التي تسهم في تزكية أكبر عدد من مجالس البلدات بلدياً واختيارياً انتهت عند الثانية عشرة من منتصف الليل.
التصعيد الاسرائيلي
ميدانياً، أطلق الجيش الاسرائيلي النار على سيارة أحد المواطنين في بلدة كفركلا وأصابها برصاصات عدة، أثناء وجوده بالقرب من بوابة فاطمة. وألقت مسيرة اسرائيلية قنبلة على بلدة عيتا الشعب من دون وقوع اصابات.
كما استهدفت الطائرات الحربية والمروحية الاسرائيلية بغارتين فجر أمس غرفاً جاهزة عند أطراف دير انطار في قضاء بنت جبيل وبلدة شمع في قضاء صور. وحلق الطيران المسيّر على علو منخفض فوق السلسلة الشرقية في البقاع. فيما حلق على علو متوسط فوق منطقة بعلبك والبقاع الشمالي.
ونشر الجيش الاسرائيلي مقطع فيديو يوثق الغارات التي شنها الخميس في جنوب لبنان. وقال المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر “إكس”، إنَّ “طائرات سلاح الجو شنت غارات على 15 هدفاً لحزب الله في جنوب لبنان”.
وتجددت الغارات الاسرائيلية على الجنوب، ليل الخميس الجمعة، بعد أن شنت الطائرات الحربية الاسرائيلية مساء الخميس غارات جوية استهدفت جنوب لبنان وشرقه. واستهدفت الغارات بلدة العزية في قضاء صور، ووادي حسن، وأطراف الحنية ومجدل زون.
البيطار مستمر بتحقيقاته
قضائياً، استجوب المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، القاضيين جاد معلوف وكارلا شواح كمدعى عليهما في الملف بحضور وكلاء الدفاع عنهما ووكلاء الادعاء الشخصي.