–
تمكّنت الإدارة السورية، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، من القيام بخطوات مهمّة على مستوى تقديم نفسها خارجياً. وقد حظيت في زمن قياسي باعتراف وقبول عربيَين ودوليَين، ونالت ثقةً أهّلتها لتبني علاقات عربية وإقليمية وازنة مع كلّ من السعودية وقطر وتركيا، الأمر الذي فتح أمامها أبواب عدّة عواصم، ومكّنها من لقاءات ذات طبيعة استراتيجية، وخاصّة اجتماع الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، في 14 مايو/ أيار الحالي، بعد زيارته فرنسا، بوابة الاتحاد الأوروبي، في السابع من الشهر نفسه. وأهم نتيجة لذلك قرار رفع العقوبات الأميركية، ومن ثمّ الأوروبية، عن سورية.
ما كان للاستقبال الدولي للشرع، والرفع السريع للعقوبات الأميركية والأوروبية، أن يحصلا بهذه السرعة لولا حملة العلاقات العامّة، والاتصالات التي قامت بها السعودية وقطر وتركيا. وهذا يعني أن الدول الثلاث، ذات الوزن السياسي والاقتصادي، والدور المؤثّر إقليمياً ودولياً، حريصة على وضع سورية في سكّة الاستقرار من باب رفع العقوبات، وهي تدرك أن لا سبيل إلى معالجة التركة الثقيلة، التي تركها نظام بشّار الأسد، إلا بحلّ المشكلات الاقتصادية، لأن سورية أكثر ما تعاني من ذلك، وبناها التحتية شبه مدمّرة، وتحتاج مساعدات خارجية كبيرة كي تبدأ أولى خطوات التعافي، وتمهيد الطريق لعودة قرابة خمسة ملايين مهجّر يعيشون في تركيا والأردن ولبنان، ويشكّلون ضغطاً كبيراً منذ عدة سنوات على اقتصادات (وخدمات) هذه الدول، التي لم تقصّر عن مدّ العون لهم في الظروف الصعبة، وآن أوان عودتهم إلى بلدهم.
هناك حرص عربي ودولي على استقرار سورية، ولا تأتي من فراغ تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمام مجلس الشيوخ الأميركي، لذا يجب أخذ تحذيراته على محمل الجدّ، وخاصّة في ما يتعلّق بالعواقب الناجمة عن تأخير رفع العقوبات. وهذا يتطلّب من الإدارة السورية التقاط الرسالة الدولية وترجمتها بسرعة، من خلال العمل في استثمار النجاحات على المستوى الخارجي، وتحويلها أرضيةً داخليةً متينةً لاستقبال الدعم الدولي، ولا يمكن أن يتم ذلك من دون وضع استراتيجية سياسية واقتصادية ودبلوماسية، تعمل في هذه الجبهة، لأن قرار رفع العقوبات لا يعني أن المسألة باتت ناجزةً فترسل الدول العربية والأجنبية المليارات لسورية بين عشية وضحاها من أجل إعادة إعمارها. ليس هناك مال بلا مقابل، وما من استثمارات من دون ثقة واستقرار، وما لم تنجح الإدارة السورية في تعزيز وضعها الداخلي، من خلال التشاركية في الحكم، فإن الرصيد الخارجي الذي حقّقته لا يكفي لوحده من أجل دفع العربة إلى الأمام.
أول خطوة مطلوبة أن تكون الأرضية الداخلية صلبة، وتعتمد الدولة السورية الجديدة على الكفاءات لا الولاءات، وهذا يتطلّب مراجعةً سريعةً من الرئيس الشرع الذي يشرف على عمل الحكومة وأدائها، ويستخلص الدروس بعد تشكيلها، ويبادر إلى سدّ الفجوات، وتصحيح العثرات في مجالات منظورة، باتت حديث الرأي العام، وتحوّلت معياراً للحكم على مستقبل ومسار الحكومة الانتقالية، وأهم نقطة يجري الحديث عنها هي عدم المهنية في مجالات عدّة، إذ أسندت المسؤوليات إلى أشخاص لا يتحلّون بالكفاءة الضرورية.
وتتمثل الخطوة الثانية في ضرورة العمل على نحو جادّ لتعزيز السلم الأهلي، من خلال البدء سريعاً بإطلاق مسار العدالة الانتقالية، بعد تشكيل الهيئة الخاصّة بها، ومعالجة نتائج الأحداث التي شهدها الساحل في مارس/ آذار الماضي، ومن بعدها جرمانا وصحنايا والسويداء، التي تشكّل جراحاً مفتوحةً تحتاج إلى التعامل معها بروح من الوحدة الوطنية الفعلية، التي تترجم شعار “الشعب السوري واحد”، وليس على أساس جرعاتٍ أمنيةٍ مؤقّتة، يمكن أن تعطي مفعولاً عكسياً على المدى البعيد.