يشكّل الانفتاح السياسي المتسارع بين الإدارة الانتقالية في دمشق والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مشهدًا جديدًا في خارطة التفاهمات السورية، مدفوعًا بمؤشرات إقليمية ودولية على رأسها لقاء الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في الرياض، وما أعقبه من قرارات أميركية متعلقة برفع العقوبات عن سوريا.
وفي موازاة هذه التطورات، شهدت مناطق شمال شرقي سوريا زيارة غير مسبوقة لوفد حكومي سوري رفيع، ضم ممثلين عن وزارتي الداخلية والخارجية، وجهاز الاستخبارات، ومسؤولي مكافحة الإرهاب، برفقة قوات التحالف الدولي، وقوات سوريا الديموقراطية (قسد) إلى مخيم “الهول” الذي يضم عائلات مقاتلي تنظيم “داعش”.
وأفادت تقارير إعلامية بأن الوفد عقد اجتماعاً مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وإدارة المخيم، ركّز على بحث أوضاع السوريين المقيمين فيه، وأكدت تلك التقارير أن هذه الخطوة ستتبعها اجتماعات مستقبلية لبحث ملفات أخرى تتعلق بالمخيم.
اقرأ أيضاً: وفد من الحكومة الانتقالية يزور مخيم الهول شمالي شرقي سوريا – 963+
“عودة السوريين لا شراكة استراتيجية”
في هذا السياق، أوضح نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية بدران جيا كرد، في تصريحات خاصة لـ”963+”، أن زيارة الوفد الحكومي السوري “تتعلق بضرورة عودة السوريين إلى مناطقهم الأصلية”.وأكد أن “ليس هناك تفاهمات استراتيجية مشتركة مع دمشق في مجال مكافحة الإرهاب، كون إدارة المخيمات والسجون تابعة للإدارة الذاتية وقسد، وبدعم من التحالف الدولي، دون أي تغيير”.وأضاف: “أي تغيير في إدارة هذا الملف يتطلب اتفاقاً استراتيجياً بيننا وبين دمشق، حينها يمكن إدارة هذا الملف بشكل مشترك”.
وتابع جيا كرد موضحاً أن زيارة اللجنة الحكومية إلى مخيم الهول تأتي ضمن برنامج لإخراج السوريين من المخيمات، “عملنا عليه منذ فترة طويلة، حيث تعاونّا مطولاً مع المنظمات الدولية، والتحالف الدولي، وسلطات دمشق، لإعادة جميع السوريين إلى مناطقهم بشكل آمن”.وأشار إلى أن “هذه القضية كانت إحدى بنود اتفاقنا مع دمشق، كما هي الحال لعودة كريمة وآمنة لأهلنا من عفرين ورأس العين/ سري كانيه وتل أبيض”.
أما فيما يتعلق بزيارة رئيس الإدارة الانتقالية أحمد الشرع إلى تركيا ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد اعتبرها جيا كرد “مرتبطة بشكل مباشر بالتطورات التي حصلت في الرياض وبروكسل، بشأن رفع العقوبات عن سوريا، والموقف الدولي المتغير المنعزل عن تركيا”.وأردف: “أنقرة تحاول الحفاظ على دورها ونفوذها في سوريا، وتحكمها بالملفات الأساسية، دون انحياز سوري على حساب المصالح التركية، وهي تسعى إلى موازنة الموقف السياسي الراجح لصالحها، وكذلك استغلال ملفات إعادة الإعمار بعد رفع العقوبات، والدفع بالشركات التركية لمنافسة الشركات العربية والغربية”.
وختم جيا كرد حديثه بالتأكيد على أن “تركيا تمارس أيضاً ضغوطاً على دمشق لتنفيذ اتفاقية 10 آذار/ مارس الماضي بين قسد والسلطة الانتقالية، وفق مفهومها، الذي يقضي بحل قسد والإدارة الذاتية، قبل أن تشهد المنطقة تطورات ومتغيرات ميدانية أخرى قد لا تكون لصالح النظام التركي”.
الربط بين ملفات متشابكة
على صعيد موازٍ، اعتبر شلال كدو، عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي في سوريا ورئيس حزب الوسط الكردي، أن زيارة الوفد الحكومي السوري إلى مناطق “قسد” تندرج في سياق تنفيذ الاتفاق الموقع بين قائد “قسد” الجنرال مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع، والذي وصفه بأنه “اتفاقية شاملة إلى حد كبير، سيما في المجالين العسكري والأمني، ولها بنود عديدة، أبرزها ملف مخيم الهول وعناصر داعش وعائلاتهم”.
وأضاف كدو في حديثه لـ”963+” أن لقاء الشرع وأردوغان في إسطنبول “يأتي أيضاً في هذا السياق، وله علاقة بالأجندات التركية المتعلقة بالقرارات المصيرية لحزب العمال الكردستاني، الذي حلّ نفسه وقرر إلقاء السلاح”.وأشار إلى أن “الجانب التركي يسعى إلى التزامن بين تنفيذ اتفاق الشرع عبدي، وبين توقيت حل حزب العمال الكردستاني، لأن هذين الملفين مرتبطان بوجود الكرد على جانبي الحدود”
واختتم كدو حديثه بالتأكيد على أن “الاتفاق بين عبدي والشرع، وكذلك مسارات تنفيذ بنوده، ليست بمعزل عن الجهود الدولية والإقليمية، خاصة في الشأن الأمني”.
وطالب كل من مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، ومجلس الأمن الدولي والمبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك، بضرورة تنفيذ الاتفاق بين عبدي والشرع.
اقرأ أيضاً: بيدرسون: ناقشت مع وزير الخارجية السوري مسار الانتقال السياسي في البلاد – 963+
مسارات متعددة
وعلى صعيد العلاقات الأميركية-السورية، أعلنت الرئاسة السورية أن الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني التقيا يوم السبت الماضي بالمبعوث الأميركي توم باراك، لبحث عدد من الملفات، أبرزها رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بحسب “سانا”.
وأشار البيان الرسمي إلى أن اللقاء تناول تنفيذ قرار الرئيس الأميركي برفع العقوبات، والذي وصفه الجانب السوري بأنه “عبء كبير على الشعب السوري ويعوق جهود التعافي الاقتصادي”، كما جرى بحث دعم الاستثمار الأجنبي في قطاعات الطاقة والبنية التحتية.
وأكدت الرئاسة أن الطرفين اتفقا على “ضرورة التخلص الكامل من الأسلحة الكيميائية بالتعاون مع المجتمع الدولي ووفق الاتفاقيات ذات الصلة”، كما تم التطرق إلى “سبل التعاون الأمني لمواجهة التحديات الإقليمية، بما يشمل مكافحة الإرهاب وضبط الحدود وتعزيز الاستقرار”.وورد في البيان أن الجانبين ناقشا “تطبيق اتفاق شامل مع (قسد)، يضمن سيادة الحكومة السورية على كامل الأراضي، وبحث آليات دمج القوات ضمن مؤسسات الدولة”.
اقرأ أيضاً: الشرع يبحث مع المبعوث الأميركي عدد من الملفات – 963+
من جهته، وصف المبعوث الأميركي لقاءه مع الرئيس الشرع بأنه “تاريخي”، وقال في بيان نشرته السفارة الأميركية في تركيا، إن اللقاء “أظهر التزاماً مشتركاً من واشنطن ودمشق بالمضي قدماً في الاستثمار والتنمية والترويج العالمي لسوريا الجديدة المرحب بها والخالية من العقوبات”.وأشاد بتجاوب الشرع مع “التحرك الأميركي السريع لرفع العقوبات”، ورحب بالإعفاء المؤقت الذي أعلنه وزير الخارجية ماركو روبيو من قانون قيصر لمدة 180 يوماً، إضافة إلى إعلان وزارة الخزانة الأميركية عن تخفيف العقوبات الاقتصادية.
كما أثنى المبعوث الأميركي على “الخطوات الفعالة” التي اتخذها الشرع لتنفيذ مطالب الرئيس ترامب، والتي تشمل “التعامل مع المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتدابير مكافحة داعش، وتحسين العلاقات مع إسرائيل، والتعامل مع مراكز الاحتجاز في شمال شرقي سوريا”.