في خضم التوترات المتصاعدة حول البرنامج النووي الايراني، تمتلك إدارة الرئيس دونالد ترامب “فرصة نادرة لتغيير المسار الأمني في الشرق الأوسط”، حسب مقال في موقع Eurasia Review. المقال استعرض مواقف كل من طهران وواشنطن، والفرص والعقبات التي تعترض الاتفاق النووي الجديد، بالاضافة إلى انعكاسات هذا الاتفاق المحتمل على الصراعات الاقليمية. ونقرأ فيه أن “سعي إدارة ترامب للتوصل إلى اتفاق تفاوضي بشأن برنامج إيران النووي يعكس السياسة الوحيدة الحكيمة التي قد تحول دون اندلاع حريق إقليمي شامل. وتتيح هذه الخطوة فرصة فريدة قد تغير المسار الأمني للمنطقة.
وعلى الرغم من أن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي لا تزال مشحونة بخلافات جوهرية، قد يمتلك ترامب فرصة فريدة لتحقيق اتفاق يخدم المصالح الوطنية للطرفين ويمنع اندلاع حرب كارثية، شريطة أن يقدم الطرفان تنازلات كبيرة.
ومع أن الرغبة في التوصل الى اتفاق قوية بما يكفي لتجاوز الخلافات الأساسية، لن يكفي هذا الاتفاق، في حال تحقق، بحد ذاته لإرساء الأمن والاستقرار الاقليمي. لكن التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الايراني بالتوازي مع تطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن قد يفتح الباب أمام سلام واستقرار إقليميين.
الموقف الايراني
وتصر إيران على أن التخصيب مخصص لأغراض سلمية مدنية ولذلك ترفض القيود غير المحددة زمنياً والرقابة الموسعة التي تراها انتهاكاً لسيادتها، كما ترفض بصورة قاطعة تفكيك بنيتها التحتية النووية.
وتسعى طهران، من جهة أخرى، الى رفع العقوبات الأميركية الخانقة للتخفيف من السخط الشعبي المتصاعد، والذي قد ينفجر في حال عدم توفر متنفس اقتصادي. كما تريد تجنب الدخول في حرب مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، لما يشكله ذلك من تهديد وجودي للنظام الحاكم الذي يسعى الى الحفاظ على بقائه بأي ثمن.
الموقف الأميركي
أما الولايات المتحدة، فتتمسك بقطع الطريق أمام تخصيب اليورانيوم، وتطالب بإزالة جميع المنشآت النووية المحلية في نطنز وفوردو وأصفهان، وتصر على تفكيك البنية التحتية النووية، وترفض التجميد المؤقت للأنشطة النووية. كما تسعى واشنطن الى فرض قيود دائمة قابلة للتحقق تتجاوز شروط الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه ترامب، وتربط تخفيف العقوبات بتراجع نووي يمكن التحقق منه، مع منح وكالة الطاقة الذرية وصولاً أكبر، وإخضاع البرنامج النووي الايراني لرقابة أكثر صرامة. ومن منظور ترامب، سيؤدي إبرام اتفاق مع إيران إلى استقرار المنطقة، ويوسع آفاق التجارة، ويمنع الصين وروسيا من تعزيز نفوذهما في الشرق الأوسط.
معالم الاتفاق المحتمل
وعلى الرغم من الفجوة الواسعة بين مواقف البلدين، هناك إمكان للتوصل إلى حلول وسط بشأن الجوانب الفنية، كعدد أجهزة الطرد المركزي المسموح تشغيلها، وإمكان شحن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى روسيا، وتراجع نووي قابل للتحقق مع تعزيز صلاحيات وكالة الطاقة الذرية.
أما العقدة الرئيسية فتكمن في تمسك إيران بحقها في التخصيب، وهو ما تعارضه واشنطن بشدة. ومع ذلك، هناك عدد من الخيارات التي قد يوافق عليها الطرفان مع احتفاظ كل منهما بمظهر المنتصر، منها تجميد إيران لمستويات التخصيب الحالية وتفكيك أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، والسماح بالتخصيب بنسبة 3.67% على المدى القصير ضمن أهداف عدم الانتشار الأميركية والإبقاء على منشآت صغيرة رمزية تحت رقابة صارمة، على غرار اتفاق 2015.
فرصة فريدة لنظام إقليمي جديد
قد يساعد التفاوض المتزامن بين واشنطن وطهران في التوصل إلى اتفاق نووي وبالتالي إلى سلام طويل الأمد. ويتمتع ترامب بموقع فريد يمكنه من تقديم عرض لإيران لتتحول من “عنصر زعزعة للاستقرار إلى شريك بنّاء في المنطقة”. وقد تكون إيران مستعدة لتغيير توجهها إذا ضمنت بقاء النظام وتحقيق نمو اقتصادي وعدم تدخل أي قوة أجنبية في شؤونها الداخلية. والتوقيت أيضاً مناسب، إذ تمر إيران بأضعف حالاتها منذ عقدين.
وفي ظل هذا الواقع، أمام إيران ثلاثة خيارات: إعادة بناء محور المقاومة، وهو مسار مكلف وطويل، أو تطوير سلاح نووي لردع الهجمات، وهو خيار بالغ الخطورة أو تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو الخيار الأرجح، شريطة أن تضمن طهران عدم سعي واشنطن الى تغيير النظام، وحرية التصرف في شؤونها الداخلية. ولتحقيق ذلك، سيتوجب على إيران أن تلتزم بصورة كاملة بالاتفاق الجديد وتمتنع عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتبرهن عن استعدادها للعب دور إيجابي في المنطقة”.