شهدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى اليوم تسعة رؤساء، توفي منهم أربعة. وعاش أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران، في المنفى لسنوات قبل أن يتوفى في باريس قبل أربع سنوات. أما محمد علي رجائي، الرئيس الثاني، فقُتل عام 1981 في عملية إرهابية نفذها معارضو النظام، فيما توفي أكبر هاشمي رفسنجاني قبل تسع سنوات أثناء السباحة في مسبح. أما إبراهيم رئيسي، رابع الرؤساء المتوفين، فكان ضحية حادث تحطم مروحية في 20 أيار/مايو 2024، وقد شغل أيضاً مناصب قضائية بارزة، بينها رئاسة السلطة القضائية لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يستقيل منها عقب انتخابه رئيساً ثامناً لإيران في انتخابات عام 2021.
أجريت تلك الانتخابات في غياب أي منافسة حقيقية، إذ لم يواجه رئيسي أي مرشح بارز، وسُجلت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الجمهورية الإسلامية (48%). لذلك، يرى البعض أن النظام كان قد حسم أمره مسبقاً بتعيينه رئيساً. ومع ذلك، أُعلن فوزه بـ18 مليون صوت. وقد رافقت التحديات مسيرته منذ الانتخابات وحتى وفاته في حادث الطائرة بعد ثلاث سنوات.
عُرف رئيسي كرجل دين معتدل يتجنب المواجهة، ويُعرف عنه سعيه الى حل مشكلات المواطنين، مما دفع أنصاره إلى تلقيبه “سيّد المحرومين”. لكنّ منتقديه اعتبروا أن حكومته افتقرت إلى رؤية تنموية واضحة، وغرقت في الروتين، كما اتهموا إدارته، ولا سيما منها القريبين منه، بإقصاء المخالفين فكرياً وسياسياً في سياسة وُصفت بـأنها “تطهير”، وهو ما أثّر سلباً على سمعته حتى بعد وفاته.
وعندما أعلن سعيد أوحيدي، رئيس مؤسسة الشهيد، عن إقامة 120 ألفاً من مراسم تأبينية لإحياء ذكرى رئيسي في أنحاء البلاد، ثارت موجة من الانتقادات، خصوصاً بشأن التكلفة العالية، وتساءل كثيرون عن مصدر تمويلها. واعتبر البعض أن هذا الرقم يعني تنظيم نحو 250 من المراسم في كل محافظة، وهو أمر غير مبرر، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي الصعب في إيران. وأشار آخرون إلى أنه لو كان الشعب راضياً عن أداء رئيسي، لكان قد صوّت للمرشح القريب منه سعيد جليلي، في الانتخابات الأخيرة.
وكتب الصحافي الإيراني البارز أحمد زياد آبادي منتقداً: “إذا كانت هذه المراسم تهدف إلى تمهيد الطريق لعودة فريق رئيسي إلى السلطة التنفيذية، فإنني أستبعد ذلك، لأن ذوق المجتمع الإيراني بات بعيداً آلاف الأميال من توجهات هذا التيار. فوز رئيسي في 2021 كان نتيجة ظروف قسرية، وليس انعكاساً للواقع السياسي الإيراني”.
كذلك، أثارت تصريحات بعض أعضاء حكومة رئيسي عن بقاء “أجزاء من جثته” في موقع الحادث، جدلاً واسعاً، إذ اعتبرها البعض محاولة لتقديسه وتحويله إلى أسطورة. وكتب الناشط الإصلاحي عباس عبدي ساخراً من إقامة هذا العدد من المراسم:
“من ينظمون 120 ألفاً من المراسم غير قادرين على كتابة 120 سطراً موثقاً عن إنجازاته. بل أشكّ في أنهم مستعدون لإقامة 12 من المراسم على نفقتهم الخاصة”.
أما الكاتب الإيراني المعروف رضا أميرخاني فكتب معترضاً: “تنظيم هذه المراسم بميزانية الدولة، ومحاولة اختراع إنجازات، هو استفزاز للشعب. قطاع كبير من الإيرانيين لا يتعاطف مع هذه الطقوس، ويعتبرها تحدياً لإرادتهم”.
ورغم ذلك، بدأ التلفزيون الحكومي قبل أسبوع من الذكرى ببث برامج وأفلام وثائقية تمجّد رئيسي، واصفاً حكومته بأنها “الأكثر شعبية ونجاحاً” بعد الثورة.
وعبّر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي عن آرائهم الساخرة. فكتب رجل دين يُدعى سيد مرتضى مير: “يا للأسف، خلال السنوات الثلاث التي ترأس فيها السيد رئيسي الحكومة، لم نكن في إيران! كم كانت مزدهرة ولم نعلم!”. فيما كتب مستخدم آخر: “يبدو أن أداء الشهيد رئيسي كان أنجح من أدائه حين كان حياً!”.
من ناحية أخرى، أشاد مؤيدو رئيسي بموقف حكومة مسعود بزشكيان لإحيائها ذكراه، معتبرين أن ذلك يعكس نضجاً سياسياً والتزاماً للقيم المشتركة. وسعى هؤلاء، من خلال الصور والمقاطع والمحتوى الكثيف، إلى إثارة المشاعر العامة، مؤكدين أن رئيسي كان الرئيس الأكثر شعبية في إيران.
وبدوره، أشاد المرشد الأعلى آية الله خامنئي، خلال مراسم التأبين، بمواقف رئيسي، ولاسيما منها رفضه التفاوض مع الولايات المتحدة، وهو ما لاقى تغطية بارزة في الإعلام الرسمي.