أولًا: هناك قراران أصدرهما الاتحاد الأوروبي:
1- القرار الصادر في 27 أيار/مايو 2025 عن مجلس الاتحاد الأوروبي (السياسة الخارجية والأمنية المشتركة) 2025/1096 بتعديل القرار 2013/255/CFSP بشأن التدابير التقييدية بالنظر إلى الوضع في سوريا (لم أكن أعرف بصدوره البارحة ولم أطلع عليه).
2- القرار الصادر في 28 أيار/مايو 2025/ اللائحة التنفيذية لمجلس الاتحاد الأوروبي 2025/1111.
ثانيًا: النقاط الرئيسة في القرارين:
تضمَّن القرار 2025/1096:
1. التشديد على أهمية إحداث انتقال سلمي وشامل في سوريا، خالٍ من التدخل الأجنبي الضار، وعلى حماية حقوق السوريين من جميع الخلفيات العرقية والدينية من دون تمييز.
2. التأكيد على أن العدالة الانتقالية الشاملة ضرورية بشكل خاص في مسار المصالحة؛ إذ لم يُحاسب أفراد عائلتي الأسد ومخلوف على دورهم في القمع الوحشي ضد السكان المدنيين في سوريا.
3. على الرغم من سقوط نظام الأسد، لا يزال الوضع في سوريا غير مستقر، كما ظهر في الحوادث الداعمة لنظام الأسد التي هدفت إلى تقويض العملية الانتقالية، مؤدية إلى أعمال عنف دامية في المنطقة الساحلية السورية.
4. إدانة شديدة لهجمات الميليشيات المؤيدة للأسد ضد القوات الأمنية، والجرائم الفظيعة المرتكبة ضد المدنيين، بما في ذلك عمليات الإعدام الميدانية، وتأكيد ضرورة اتخاذ تدابير فعالة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم.
وتضمَّن القرار 2025/1111:
1. لا يزال هناك رجال أعمال بارزون يرتبطون بالنظام السابق يحتفظون بنفوذهم، وتشكل شبكاتهم خطرًا كامنًا على الانتقال السلمي في سوريا.
2. في آذار/مارس 2025، تسببت موجة من العنف في المنطقة الساحلية من سوريا بوقوع عدد كبير من الضحايا، بما في ذلك العديد من المدنيين. ولذلك أصدر الممثل الأعلى في 11 آذار/ مارس 2025 بيانًا باسم الاتحاد الأوروبي أدان فيه الجرائم المروعة المرتكبة ضد المدنيين بما في ذلك القتل التعسفي.
3. إضافة شخصين طبيعيين وثلاثة كيانات إلى قائمة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين والكيانات والهيئات المنصوص عنها في لائحة الاتحاد الأوروبي للعقوبات: الشخصان هما محمد حسين الجاسم، المعروف باسم “أبو عمشة”، وسيف بولاد أبو بكر. أما الكيانات العسكرية الثلاثة فهي: – لواء “السلطان سليمان شاه”، والمعروف باسم فصيل “العمشات”، بقيادة “أبو عمشة”، فرقة “الحمزة” المعروفة باسم فصيل “الحمزات” بقيادة سيف بولاد أبو بكر، وفرقة “السلطان مراد”.
ثالثًا: رأيي الشخصي
1. ينبغي لنا عدم القبول بأي تسويغات مهلهلة للجرائم المرتكبة من قبيل: “إن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في الساحل تعود في أسبابها إلى فلول نظام الأسد وميليشياته التي بادرت بالهجوم على قوات الأمن العام”، أو “إن فلول النظام هي التي بدأت هجومًا في الساحل أدى إلى ارتكاب انتهاكات”؛ فالجرائم مستنكرة وغير مقبولة ولا شيء يسوِّغها. لا نستطيع أن نسوِّغ للنظام السابق مجزرة حماة في شباط/ فبراير 1982 تحت ذريعة أن تنظيم الطليعة المقاتلة ارتكب في حزيران/ يونيو 1979 جريمة مجزرة المدفعية. لا بدَّ من إدانة الجرائم كلها، ولا جريمة تسوِّغ جريمة أخرى.
2. لا بدَّ من إدانة الجرائم المرتكبة بحق عناصر الأمن العام من جميع السوريين والسوريات، وبالقدر ذاته لا بدَّ لهم من إدانة الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في الساحل، ولا بدَّ أيضًا من إدانة الخطاب والتجييش الطائفيين اللذين مهَّدا الطريق لهذه الجرائم، ونخشى أن يمهِّدا الطريق لغيرها.
3. في كل لحظة، وكل مكان، ودائمًا وأبدًا، تتحمل الدولة، أيًا تكن طبيعتها، مسؤولية أي جرائم تُرتكب من هذا النوع، لسبب بسيط هو أنها الطرف المنوط به حماية أمن المواطنين والمواطنات وحيواتهم، بصرف النظر عمَّن هو موجود في سدَّة الحكم (الدولة هي عنوان المواطنين وملجؤهم لتحقيق العدالة والأمن، وإلا لن تكون دولة)، ويمكن تحديد أهم عناصر مسؤوليتها في ما حدث بالآتي:
– لم تفعل الدولة شيئًا ذا قيمة في ما يتعلق بمخاطر التحريض الطائفي وضرورة تجريمه بوضوح.
– صمتت الدولة عن حالة النفير العام، بل وباركته، ونعلم ما تأثيرات ذلك على أرض الواقع بترك الأمور بين أيدي الناس من دون حضور سلطة القانون والقضاء.
– التقاعس في ملف العدالة الانتقالية وتأجيله من دون أي تفسيرات مقنعة، وهذا كان له دور في تجييش الناس بحكم عدم الاستجابة إلى آلامهم المتراكمة من آذار/ مارس 2011 وحتى الآن.
– لم تضع لجنة تقصّي الحقائق التي شكَّلتها السلطة السوريين والسوريات في ضوء النتائج التي توصَّلت إليها أولًا بأول، ولم تعتقل السلطة أيًا من المتورطين الذين سجَّلوا جرائمهم بالصوت والصورة وتفاخروا بها.
– كان دمج الفصائل المسلحة في جيش واحد، على ما يبدو، دمجًا صوريًا، وظل بعضها يمارس أدوارًا على هواه ومصالحه من دون أي اكتراث، وهنا لا بدَّ للدولة من أن تتخذ الإجراءات الضرورية كافة اللازمة لبناء جيش وطني سوري واحد وموحَّد.
4. إن ما يسيء إلى الدولة حقًا هو بقاء هذه الفصائل، وغيرها، منفلتة، وخارج جيش الدولة. أما نقد الدولة والممسكين بزمام الأمور فإنه لا يقلل من هيبتها ولا من هيبتهم، بل على العكس، فهذا فعل مطلوب منا جميعًا، ومن أجلنا جميعًا، ومن أجلهم، ومن أجل هيبة الدولة السورية التي تتكثَّف بهيبة القانون والقضاء بالدرجة الأولى.
5. ليس صعبًا على السوريين والسوريات التوافق على مبدأ رئيس مؤسِّس للدولة السورية الجديدة: الإنسان/المواطن السوري هو أساس الدولة ومرتكزها وغايتها، وإن المحافظة على حياته وحريته وكرامته، بصرف النظر عن منبته، هي أهم وظائف الدولة الجديدة.
6. أخيرًا؛ ينبغي أن يكون لدولتنا الجديدة نظامها القانوني والقضائي الواضح والعادل والنزيه، وصولًا إلى لحظة ننتظر منه الحقيقة التي نطمئن إليها فلا نكون مرغمين على انتظار التقارير الأوروبية أو الأميركية أو سواها.