ملخص
في ظل المخاوف من إمكانية انهيار المفاوضات على خلفية الصراع على الخطوط الحمر بين واشنطن وطهران، التي تزايدت قبيل انعقاد الجولة الخامسة بين الطرفين في العاصمة الإيطالية روما، تأتي الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى مسقط واللقاء مع السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، التي من المفترض أن تحدد مصير الرؤية العمانية لحل الاختلافات بين طرفي التفاوض وتساعد على استمرارها
لم تبتعد سلطنة عمان من دورها بالعمل على نزع فتائل أي اختلاف قد يؤدي إلى نسف المسار التفاوضي غير المباشر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وهو ما يقتضيه الدور الذي اختارته القيادة العمانية بالوساطة بين الطرفين، بهدف تخفيف التوتر بينهما، ومنع استغلال أزمة البرنامج النووي لجر المنطقة إلى نزاع مفتوح وحروب جديدة قد تضع الإقليم أمام تحديات مفتوحة، تضاف إلى ما نتج من تحديات بعد معركة “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وكما كانت مسقط المبادِرة إلى كسر حاجز انعدام الثقة بين طرفي التفاوض، ودفعت من أجل عودة الطرفين إلى طاولة الحوار، يبدو أنها وانطلاقاً من مهمتها ودورها كوسيط معنية بتقديم المقترحات التي تساعد على تدوير الزوايا والتخفيف من حدة التوتر نتيجة تصعيد مواقف طرفي التفاوض المرتبطة بالخلاف حول مسألة تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، بين التشدد الأميركي المطالب بالتفكيك الكامل لهذه الأنشطة، والتمسك الإيراني بها باعتبارها خطاً أحمر لا مجال للتفاوض عليه.
في ظل المخاوف من إمكانية انهيار المفاوضات على خلفية الصراع على الخطوط الحمر بين واشنطن وطهران، التي تزايدت قبيل انعقاد الجولة الخامسة بين الطرفين في العاصمة الإيطالية روما، تأتي الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى مسقط واللقاء مع السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، التي من المفترض أن تحدد مصير الرؤية العمانية لحل الاختلافات بين طرفي التفاوض وتساعد على استمرارها، خصوصاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استبق هذه الزيارة بتأكيد إيجابية الجولة الخامسة واقتراب موعد التوصل إلى اتفاق مع إيران خلال الأيام المقبلة، والتي قد لا تصل إلى أسبوعين.
زيارة بزشكيان إلى مسقط، سبقها اتصال بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد فيه زعيم البيت الأبيض ضرورة التزام تل أبيب بالضوابط الأميركية وعدم تعريض المفاوضات لأية أخطار قد تقوضها، وتزامن أيضاً مع زيارات لمسؤولين ووزراء من حكومة ترمب إلى تل أبيب، أبرزهم وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم التي أعادت تأكيد موقف الرئيس من أي إجراء أو تصرف إسرائيلي أحادي ومنفرد ضد المنشآت النووية الإيرانية، لما له من تأثير سلبي على المفاوضات وقد يدخل المنطقة في نزاعات جديدة لا ترغب فيها واشنطن.
الأهم في هذه الزيارة الرئاسية الإيرانية إلى مسقط، أنها تأتي في ظل المبادرة العمانية التي طرحها وزير خارجيتها بدر البوسعيدي لحل الخلافات التي نشأت بين طرفي التفاوض حول أنشطة تخصيب اليورانيوم، باعتبارها خطاً أحمر لدى كل منهما، وأن البحث حول هذه المبادرة سيكون محور المحادثات المباشرة التي سيجريها وزيرا خارجية البلدين الإيراني والعماني على هامش هذه الزيارة، ونتائج هذه المحادثات ستلعب دوراً رئيساً في تسهيل قرار تحديد الجولة السادسة للتفاوض والتي يأمل الرئيس الأميركي أن تصل إلى نتائج نهائية أو تضعها في مراحلها الأخيرة.
التفاؤل الأميركي على لسان الرئيس ترمب بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع طهران قريباً، يدفع إلى الاعتقاد أن الجانب الأميركي وضع بتصرف الوسيط العماني أجوبته على ورقة المقترحات الإيرانية التي تم تبادلها مع الجانب الإيراني في الجولة الخامسة من المفاوضات بما ينسجم مع المبادرة العمانية، وأن المطلوب من الجانب الإيراني أن يقدم للوسيط العماني أجوبته على الورقة الأميركية، ورؤيته للخروج من مأزق الخطوط الحمر التي رفعها الطرفان.
ما بين التكتيك الذي تنجح إيران بتحقيق الربح فيه، والفشل في ترجمة هذا التكتيك إلى ربح في البعد الاستراتيجي، وأبرز المؤشرات إلى هذه المعادلة غير المنسجمة بين التكتيك والاستراتيجية، الفرص الكثيرة التي أضاعها النظام الإيراني خلال العقدين الماضيين بالوصول إلى تفاهمات وتسويات مع الإدارة الأميركية، وبخاصة بعدما تجمع، بين يديه كثير من الأوراق والأرباح، ساعده في امتلاكها توسع نفوذه ودوره في منطقة غرب آسيا بمساعدة من حلفائه وأذرعه، إلا أن المماطلة ومحاولة الربح المطلق تحولتا إلى فشل استراتيجي وخسارة قاسية بعد الضربات التي تعرضت لها أذرعه وخسارته مناطق نفوذه في الإقليم.
اقرأ المزيد
المنطقة على أعتاب حرب شاملة في حال فشل المفاوضات النووية
بزشكيان في مسقط… وسيط المحادثات النووية
الرقبة في سلطنة عمان والسيف في صنعاء
التسريبات أو المؤشرات الأولى المتعلقة بالمبادرة العمانية تتحدث عن رؤية وسط قدمتها مسقط عبر وزير الخارجية البوسعيدي، تقوم على قبول إيران مبدأ تعليق كامل أنشطة تخصيب اليورانيوم على أراضيها لمدة ستة أشهر، مع إجراء عمليات تفتيش ورقابة مشددة غير مسبوقة لمواقعها ومنشآتها النووية، مقابل قيام واشنطن بإلغاء الجزء المتعلق أو المرتبط بالأنشطة النووية من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران.
وبناء على التجارب السابقة، وبخاصة اتفاق أكتوبر (تشرين الأول) عام 2004 بين إيران والترويكا الأوروبية برعاية منسق العلاقات والسياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي، آنذاك، خافيير سولانا، فإن التعليق الموقت الذي وافقت عليه إيران لأنشطة التخصيب استمر أكثر من عامين بدلاً من ستة أشهر، ولم تحصل إيران على الوعود التي قدمتها هذه الدول. لذلك فإن أي قبول إيراني بهذا الحل الوسط الذي قدمته عُمان لا بد أن تقابله شروط والتزامات واضحة ومكتوبة وقابلة للثقة من الجانب الأميركي، بعودة أنشطة التخصيب بعد انتهاء المهلة الزمنية، مع الاحتفاظ بحقها في التملص من هذا التعهد في حال لم يلتزم الطرف الآخر شروط التسوية المقترحة.
لا شك أن الوسيط العماني، ومن ورائه الطرف الأميركي، لا ينتظران أن يلعن الرئيس الإيراني بزشكيان الموقف النهائي من المبادرة أو المقترحات الأميركية هذه، وأن الأخير، أيضاً، يدرك ويعرف الخطوط الحمر المرسومة له في هذه المفاوضات، بالتالي فإن الجهة التي من المفترض أن تكشف عن الموقف الإيراني ليست سوى وزير الخارجية عباس عراقجي كونه المكلف من المرشد الأعلى للنظام بهذا الأمر، وأن أية نتيجة تنتهي لها الاتصالات المستمرة بين الوزير الإيراني ونظيره العماني هي التي ستحدد مستقبل المفاوضات وطبيعة القرار الإيراني، خصوصاً أن المرشد الأعلى سبق أن رفض مبدأ التفكيك ولم يقارب مسألة التعليق الموقت، مما يترك الباب مفتوحاً أمام هذا المخرج الذي يضمن لإيران حقها في التخصيب على أراضيها، ويعطي للأميركي ما ينسجم مع الخط الأحمر الذي رسمه، ويسمح له بالتفرغ لمعالجة الضغوط الإسرائيلية التي يتعرض لها في هذا المجال، فضلاً عن معالجة كثير من الملفات العالقة في الإقليم بما فيها العلاقة المتوترة مع رئيس الوزراء نتنياهو.