ملخص
يقول حاج أحمد إن موضوع الهجرة تولد لديه من خلال مشاهداته اليومية للمهاجرين الأفارقة بولايته أدرار، وتسمرهم عند مفترق الطرقات بحثاً عن العمل، لأجل التزود بزاد إكمال الطريق نحو الفردوس، إذ كانت ولايتنا بالنسبة إليهم نقطة عبور واستراحة.
برز الروائي الجزائري الصديق حاج أحمد المعروف بالزيواني عام 2013 ككاتب قادم من عمق الجنوب الجزائري، وتحديداً من مدينة أدرار الصحراوية. وقدم نفسه إلى القراء بروايته الأولى “مملكة الزيوان” مستلهماً تفاصيلها من الحياة الصحراوية التي تختلف عن الحياة في الجبال أو الساحل، ففي الجنوب تفرض الظروف المناخية والجغرافية أسلوباً معيشياً خاصاً انعكس في تصويره للبيئة بتفاصيلها، كالواحات والعادات والقصور الطينية وتغيرها مع مرور الزمن.
أما في روايته الثانية “كاماراد”، فتناول الزيواني موضوع الهجرة غير الشرعية والحلم الأفريقي بعبور البحر نحو الضفة الأوروبية، عبر حكاية مامادو الذي التقى مخرجاً فرنسياً على ضفاف نهر النيجر ليقص عليه رحلته الطويلة من النيجر إلى الجزائر قبل أن تنتهي المحاولة بالفشل في المغرب.
وفي روايته الثالثة “منا” التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية، عاد حاج أحمد للكتابة عن الوجه القاسي للصحراء ولعنة الجفاف التي عاناها الطوارق في جنوب الجزائر وشمال مالي. أما أحدث أعماله رواية “الطانفا”، فتروي حكاية تاجر طموح ينجح في الاستيراد من النيجر ويتزوج من موريتانية تغير مسار حياته.
وما يلفت القارئ في تجربة الصديق حاج أحمد أن الثيمات والقضايا قد تختلف وتتنوع من رواية إلى أخرى إلا أنها تتقاطع كلها في الفضاء الصحراوي الأفريقي، الذي يمثل المكان الدائم لكل شخصياته الروائية، وهو الكاتب الشغوف بالصحراء، فعلى رغم رحلاته المتعددة بين أوروبا وآسيا فإنه يعود دوماً للانطلاق من أرض أفريقيا مؤسساً لمشاريعه السردية.
يقول الكاتب ابن الجنوب عن رحلته مع القراءة وكيف كان يتلقى أعمالاً أدبية تنتمي إلى بيئة مختلفة عن بيئته الصحراوية، إن “الكاتب يولد على دين بيئته كما يقال، طبعاً الاغتراب القرائي، بدأ معي منذ أن دخلت المدرسة الابتدائية، وأنا في تلك القرية النائية المرمية بين رمال الصحراء، حيث كان يأتينا نص البحر ومشهد الثلج وعلو العمارات وغيرها من الصور المشفوعة بنصوص القراءة، غامضاً وأحياناً مضبباً، ولم تكن تلك الحكايات الواصلة إلينا حول زرقة البحر واتساع امتداده وبياض الثلج تكفي لتشكل صورة ذهنية حقيقية عن هذا العالم أو ذاك، إذ كانت هذه القطيعة الفيزيقية غير المقصودة ماثلة أكثر في تعابيرنا الكتابية المرتبطة أساساً بعالمنا القروي، وعدم اقتناعنا بإدراج الذهاب إلى البحر خلال العطلة الصيفية ضمن درس التعبير الكتابي الخاص بموضوع العودة إلى المدرسة. ولم نكن في البداية مدفوعين لقراءة أعمال تشبهنا بمفهوم الوعي القرائي، إنما كنا نجد أنفسنا واعين ومدركين للأشياء المقروءة أو التي يطلب منا الكتابة حولها”.
سمير قسيمي يجعل من السلحفاة بطلة نسائية
“مملكة الزيوان” هي الرواية الأولى لحاج أحمد وكانت مدينة أدرار بطلتها، ويقال إن الكاتب غالباً ما يكشف عن نفسه في عمله الأول لأنه يكتبه ببراءة قبل أن يتعلم التحايل والتخييل والكذب الروائي على القراء، حول ذلك يقول “استلهمت من طفولتي وفضاءات القصر الطيني كثيراً، إذ إن النص الأول عادة يتكئ فيه الكاتب على ذاته، ولعل أهم ما في النص الأول أن يبرهن الكاتب على أنه مشروع كاتب، ويستوفي مكونات النص حتى يمكن تجنيسه ضمن جنس الرواية”.
في رواية “كاماراد” الصادرة عن دار فضاءات تناول حاج أحمد موضوع الهجرة غير الشرعية، وسبق كتابتها زيارة قام بها إلى النيجر عام 2014 يذكر الروائي الجزائري أن موضوع الهجرة تولد لديه من خلال مشاهداته اليومية للمهاجرين الأفارقة بولايته أدرار، وتسمرهم عند مفترق الطرقات، بحثاً عن العمل، لأجل التزود بزاد إكمال الطريق نحو الفردوس، إذ كانت ولايته بالنسبة إليهم نقطة عبور واستراحة. ويضيف “طبعاً هذا المشهد اليومي المتكرر، عمَّق هذا الوعي بضرورة الكتابة حول هذا الموضوع الراهن والمثير، فضلاً عن أن مناخات وعوالم أفريقيا جنوب الصحراء وجدتها غائبة في مدونة الرواية الجزائرية والعربية، مما حمسني أكثر لأن أحرث سردياتي في تلك المناطق المجهولة”.
وتابع “الزيارة كانت مفيدة جداً، فالروائي يقرأ ويسمع ويشاهد كل ما يتصل بموضوعه، ثم يحاول هدمه وإعادة بنائه وفق متخيله، ثمة نقطة أخرى في غاية الأهمية وهي أن وقوف الكاتب على فضاءات المكان يجعله متحرراً أكثر، فالصورة الملتقطة أو الزاوية المكتوب عنها تبقى وجهة نظر مصورها وكاتبها، بينما وقوف الكاتب بنفسه قد يمنحه زوايا وتفاصيل صغيرة جداً لم يلتفت إليها مصور الصور أو كاتب المقال، وإن كان على أية حال ليس فرضاً زيارة المكان، لكني أشدد على حيوية ذلك”.
33.jpg
إحدى روايات الصديق حاج أحمد (مواقع التوصل)
وأكمل “المواقف التي وقفت عليها وظلت محفورة بذاكرتي عن زيارة النيجر وصحاريه، مشاهد الفقر والبؤس التي يحياها الإنسان النيجيري واقتناعه بقسمته في الحياة، إذ تجد داخل العاصمة نيامي فيللا فارهة وبجوارها أكواخ هشة وهي مفارقة عجيبة في تلك المجتمعات، كما أن بيع المواد الغذائية بالغرام حال لافتة أيضاً داخل الأسواق، وهو مشهد معدوم أو يكاد في شمال أفريقيا”.
روايته الثالثة “منا” تناولت أزمة الجفاف القاسية التي شهدها شمال مالي عام 1973، وعن ظروف كتابتها يقول إنه “خلال إعدادي لرسالة الماجستير بجامعة الجزائر قبل عقدين، تناولت شخصية لغوية وأدبية بالأزواد وتطلب مني الأمر زيارة تلك الصحارى، وإن كانت الزيارة بحثية غير أن حديث الشيوخ والعجائز عن أحداث جفاف 1973 كان موجعاً، مما ولد عندي تأملات اختزنتها إلى حين. كما أن الشتات الذي وقع بعد الجفاف، والهجرات نحو ليبيا وما تلاه من أزمة الأزواد الراهنة بسبب ذلك جعلني أستطعم هذه الثيمة وأكتب عنها”.
وعن زياراته لمالي والنيجر، يقول حاج أحمد “قصتي مع دول الساحل مردها إلى زيارتي الأولى عام 2004 عندما ذهبت في رحلة علمية لنبش وجمع ما تناثر من أدب وحياة أحد أعلام صحراء مالي، وهو الشيخ محمد بن بادي الكنتي الذي كان محور دراستي في الماجستير بجامعة الجزائر فاكتشفت فضاء جديداً مكتنزاً بالأحداث، لكن ذلك لم يكن في بالي أني سأصبح يوماً روائياً وأوظفه في تأسيس نصوصي، إنما ظل مركوناً في سراديب الذاكرة حتى جاءت الفرصة فاستدعيت ذلك مع زيارتي التي تكررت لتلك الربوع، مما جعلني أكثر وعياً بتلك الفضاءات وما تكتنزه من قضايا وثقافات وحكايا”.
44.jpg
الروائي الصديق حاج أحمد جاء من عمق الجنوب الجزائري (مواقع التواصل)
وتابع “ثمة أشياء أخرى ذات صلة، فمنطقتنا التاريخية توات أو أدرار كانت محور طرق القوافل التجارية بين شمال أفريقيا وجنوبها، ونعم هناك بلدان أفريقية مثل كينيا وإثيوبيا ومدغشقر أتطلع لزيارتها ومحاولة اكتشافها، وإن كانت الرواية المقبلة تظل تسير في هذا المشروع، وهي رواية تاريخية حول الشيخ المغيلي وعلاقته بأفريقيا، ووضعت إشارات في رواية ’الطانفا‘ حتى نظهر فضل ثقافتنا الجزائرية على أفريقيا”.
يتخيل حاج أحمد نفسه بعد 20 عاماً كما هو الآن “بسيط”، ويتمنى أن “يظل ذلك الدرويش الزيواني يسكنني وأظل في مزرعتي، وأقرأ وأكتب… ربما بعد التقاعد إن طال العمر، سأجعل الربيع والصيف بمدينة بني صاف الساحلية، بمسكني الخاص هناك، وأعود خريفاً وشتاء إلى وكري هنا. ربما أكون نشرت 30 كتاباً، أما الكتابة فستظل إلى اللحظة الأخيرة”.