تحدث رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام عن انتهاء عصر تصدير الثورة الإيرانية. لم تنفِ طهران ذلك، ولم تخرج منابرها الرسمية ولا سفيرها في بيروت احتجاجاً على تدخل لبنان في شؤون الثورة وتصديرها.
أعاد سلام في دبي ما قاله قبل ذلك: “لن نسكت عن بقاء أي سلاح خارج سلطة الدولة”. تطابق القول مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزيف عون الذي صوّت نواب “حزب الله” لانتخابه، ونهل معانيه من البيان الوزاري للحكومة التي يشارك الحزب فيها. وحين عُرض التصريح بشأن “السلاح والثورة” على وفد الحزب الخارج من لقاء مع الرئيس عون، أفتى النائب محمد الرعد بالصمت وعدم التعليق صوناً لمودة باقية.
شنّت قناة “المنار” هجوماً ضد سلام واعتبرت صنائعه تحدّياً للرئيس عون وفريقه، واستفزازاً لبيئة الحزب، ومتأثرة بالرئيس السوري أحمد الشرع. لا يحبّ الحزب لغة نواف سلام. لا يحبونه أصلاً. وارتأوا عدم التصويت له في يوم الاستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة. وعندما رسا الحساب عليه تحدث الحزب عن “طعنة في الظهر”.
يحبّ الحزب قصر بعبدا. يثني على الرئيس ويكتشف معه “مساحة واسعة للتفاهم”. غير أن من يدقّق في كل بيان أو موقف أو تصريح أو خطاب لرئيس الجمهورية لن يجد فارقاً واحداً يحيد عما أقسمه في خطاب تنصيبه رئيساً وما استوحاه منه بيان حكومة سلام الوزاري. ولن يحظى المدقّق بأي تباين في سعي الرئيسين لتنفيذ “حصرية السلاح بيد الدولة”، أياً كانت هوية هذا السلاح، وقد بدأ الشقّ الفلسطيني ورشته بهذا الاتجاه.
وجد “حزب الله” عنواناً يراه آمناً في قصر بعبدا داخل “مساحات” الرئيس. قد يجوز التفطّن إلى هوة يتمناها تفصل بين الرئاستين. لكن الحزب في تمرينه السياسي بالتقدم نحو الرئيس عون زائراً ناقلاً عنه “تفهمه” لظروف الحزب وحساباته، يتحرى التدثّر برأس السلطة لعلّ في استفاقة الحزب على وجود رئيس في بعبدا ما يجذب الرئاسة إلى ظلال الحزب وحسابات طهران من خلاله.
سبق لخصوم الحزب أن أطلقوا عليه إسم “حزب السلاح”. كل ديناميات الحزب وفلسفاته في السياسة والعلوم الجيوستراتيجية تتمحور حول السلاح ومخازنه ومستودعاته. يقتنع الحزب يوماً بعد آخر أن الزمن تغير. جعل دونالد ترامب من “الزلزال” في سوريا الذي حرم إيران من ممرها الطموح، نهائياً. بدا أن إعلان دمشق وقف شحنة صواريخ كانت تسير نحو الحزب قبل أيام يشي بيأس داخل الحزب، وتوقه إلى الانقلاب على ما بات ناجزاً يحظى بتغطية العواصم القريبة والبعيدة.
يتلطى الحزب خلف جدل يريده أن يستعرّ بشأن تسليم السلاح الفلسطيني. فإن تأخّر وتعرقل تسليم ذلك السلاح تأخّر وتعرقل تسليم سلاحه. كان الحزب وراء موالين شتموا الرئيس الفلسطيني على “فعلته” بشأن السلاح. وكانوا وراء من اشتكى من ظلم أن يُسلّم سلاح الحزب في جنوب لبنان وفق القرار 1701 ولم تسلّم مخيمات الجنوب الفلسطينية السلاح وفق ما يأمر به القرار نفسه. أتى الحزب إلى بعبدا بعد أيام على ما اعتبره إنجازاً في انتخابات بلدية واختيارية أكدت مكانته داخل الطائفة الشيعية. حمل الحزب ذلك “النصر” حجّة على خطاب القسم وبيان الحكومة.
يبتعد الحزب عن حقيقة بسيطة. أن يمارس السياسة كما تمارسها كل أحزاب لبنان. أن يكون جزءاً من دولة تحتكر العنف وتمنعه عن أي جماعة أو فرد. لكن الحزب يكفر بتلك الحقيقة متأملاً صفقة بين طهران وواشنطن يتيح داخلها ترامب للحزب وبقية “الأذرع” ما أتاحه باراك أوباما قبل عشر سنوات. يعوّل الحزب على اندثار سنوات ترامب في البيت الأبيض لعلً الخلف يحمل خيراً للسلاح.. فهو مبرر وجود الحزب الأول والوحيد.
ا