العبارة التي ردّ بها سلام على الحملات التي تستهدفه بسيطة وواضحة. “لم أخرج عن البيان الوزاري وعن خطاب القسم عندما تحدّثت عن حصرية السلاح”. وهنا علينا ألا ننسى أن الحزب جزء من الحكومة، وهو وافق على بيانها الوزاري الذي يشير بوضوح إلى حصرية السلاح، وهذا ما يحوّل الحملة الهائلة على سلام إلى فعلٍ “ردحي” لا مضمون سياسيّ له.
لا يملك رئيس الحكومة نوّاف سلام ترسانة نيابية أو إعلامية يصدّ بها هجمات “حزب الله” عنه، ولا يملك أيضاً حزباً أو مصرفاً أو جماهير تهتف له في المدينة الرياضية، والرجل في ما يبدو لا يطمح إلى امتلاكها.
وبهذا المعنى، أفقد نوّاف سلام “حزب الله” جزءاً من قدراته الاستهدافية عبر تعطيل المضمون السجالي والمذهبي للحملة، بحيث بدا خطاب الشحن ضدّه أقرب إلى “الردح” من طرف واحد، “ردح” لا صدى أهليّ له، باستثناء فيديوات يخاطب أصحابها عدوّهم الجديد بلغة صادرة عمّن أثخنت صدورهم “حرب الإسناد”.
العبارة التي ردّ بها سلام على الحملات التي تستهدفه بسيطة وواضحة. “لم أخرج عن البيان الوزاري وعن خطاب القسم عندما تحدّثت عن حصرية السلاح”. وهنا علينا ألا ننسى أن الحزب جزء من الحكومة، وهو وافق على بيانها الوزاري الذي يشير بوضوح إلى حصرية السلاح، وهذا ما يحوّل الحملة الهائلة على سلام إلى فعلٍ “ردحي” لا مضمون سياسيّ له.
في السياسة “حزب الله” جزء من الحكومة، وفي الحملة على نوّاف سلام هو طرف أهلي مذهبي، لا يجد في مقابله الخصم النموذجي الضروري لمضاعفة الشحن.
ربما كانت المهمّة إسقاط حكومة نوّاف سلام، تمهيداً لإيصال حبيب قلب “محور الممانعة” نجيب ميقاتي إلى القصر الحكومي. هذا الاحتمال إذا صحّ، فهو يكشف مرّة أخرى عن حال النكران التي يتخبّط بها الحزب، وعدم إدراكه التغيّرات الهائلة التي شهدها لبنان والمنطقة.
إسقاط سلام لن تمهّد له فيديوات مؤثّري الحزب، وإحلال نجيب ميقاتي مكانه خطوة لم يعد الحزب فاعلاً في جعلها واقعاً. وهنا بيت القصيد، أي في انعدام القدرة على تحويل ما أصاب الحزب في لبنان والممانعة في المنطقة، إلى لحظة ينعطف فيها الخطاب نحو واقعية ضرورية للتعامل مع الهزيمة.
يكشف “حزب الله” في كلّ المحطّات التي أعقبت “حرب الاسناد” عجزاً عن استيعاب المتغيّرات، التي عصفت بنا جميعاً من بيروت إلى غزّة، ومروراً بدمشق. عدّة الشغل نفسها يُعيد تدويرها. “غضب الأهالي” في الجنوب لمواجهة “اليونيفل”، “السلاح المقدّس” الذي لم يعد يصلح لشيء، “صهيوني صهيوني… نوّاف سلام صهيوني” على ما هتف شبان في مباراة رياضية، ونحن إذ نُسقط هذه الأراجيز على واقع ما بعد الزلزال، يظهر لنا جبل من النكران ومن اختلال النظرة، ومن فقدان الشحن قدرته التي كان يملكها، والتي لطالما وظّفها الحزب في تشكيل الحكومات وفي إسقاطها.
في خطبته الأخيرة، بدا الأمين العامّ لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أقرب إلى “إنفلونسر” منه إلى “قائد”، قال: “المقاومة باقية فموتوا بغيظكم”! هذه واحدة من بين الكثير من عبارات تشبهها تضمّنها خطابه.
“موتوا بغيظكم” هي المضمون “السياسي” لخطبة الأمين العامّ الذي خَلف السيد حسن نصرالله. على “حزب الله” أن يقلق على نفسه لهذا السبب، قبل أن يقلق من الحصار الذي يتعرّض له، فهل يُعقل أن يسوّق أمين عامّ لحزب كبير مثل “حزب الله” عبارة “موتوا بغيظكم”؟ وكيف يمكن لهذه العبارة أن تكون مدخلاً مفتاحياً لخطبة أمين عامّ لحزب يعيش أدقّ مراحل تاريخه؟
الاستعانة بالمفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان الذي قال: “لا سلاح شرعيّ أكثر من شرعية السلاح”، لا يخرج عن مشهد النكران! وها نحن مرّة أخرى “نستجير من الرمضاء بالنار”.
في المدينة الرياضية التي هتف فيها مناصرون للحزب “نوّاف سلام صهيوني”، وفي بلدة ياطر حيث تفجّر “غضب الأهالي”، وفي المجلس الشيعي، وفي فيديوات “إنفلونسرز” الممانعة، لا شيء يبعث على الأمل بالانتقال من مشهد النكبة إلى واقع ما بعدها من شروط.
لطالما شكّل “الغضب” عنصراً رئيسياً في خطاب “حزب الله”. ظهور الأمين العام الراحل حسن نصرالله غالباً ما ترافق مع ميل إلى “شدّ العصب” قائم على الشحن. لكن أداء نصرالله كان جزءاً من مشهد عامّ يتيح توظيف الشحن في السياسة.
عندما أسقط “حزب الله” حكومة سعد الحريري عبر عراضة القمصان السود، وأحلّ مكانه نجيب ميقاتي، فعل ذلك مدركاً أن وليد جنبلاط سيتّعظ، وأن ميقاتي ينتظر، وأن العالم خلف الحدود لا يُقيم وزناً لغير “حزب الله” في لبنان.
لم تعد هذه حالنا يا سماحة الأمين العام. السياسة اليوم لا تعني غير القدرة على استيعاب هذه الحقيقة. إسقاط نوّاف سلام مهمّة غير واقعية، ظاهرة “غضب الأهالي” لم تعد تصلح لمراوغة القوّات الدولية، والاستعاضة عن الفعل بـ”الردح” لا تليق بممثّلي جماعة أهلية تحتاج الى إنقاذها من نكبة “حرب الإسناد”، إلى غير ما عهدناه من خطب الأمين العام.