أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الإشارة الأوضح حتى الآن على عزمه إنهاء الحرب في أوكرانيا، ولو تطلب ذلك فرض عقوبات جديدة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف التوصل إلى اتفاق سلام دائم. وعندما سئل هذا الأسبوع في المكتب البيضاوي عمّا إذا كان يعتقد أن الرئيس الروسي يريد إنهاء الحرب، أجاب: “لا يمكنني أن أؤكد ذلك، لكنني سأخبركم خلال أسبوعين تقريبا”.
كان ترمب قد حذر في وقت سابق من احتمال فرض البيت الأبيض حزمة جديدة من العقوبات الثانوية على روسيا إذا لم يتعامل الكرملين بجدية مع محادثات السلام. إلا أن أي إجراء لم يُتخذ حتى الآن. ومع ذلك، تُجرى حاليا نقاشات في واشنطن لفرض عقوبات ثانوية على الدول التي تواصل التجارة مع روسيا، وتستهدف هذه الإجراءات صادرات البلاد من الغاز والنفط والمواد الخام. من شأن هذا التحرك أن يوجّه ضربة قاسية إلى الاقتصاد الروسي المتأثر أصلا بانخفاض أسعار النفط، ويقوّض قدرة بوتين على مواصلة الحملة العسكرية في أوكرانيا.
وفي هذا السياق، يجري تداول نص تشريعي بين أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ الأميركي ينص على فرض تعريفة جمركية “لا تقل” عن 500 في المئة على أي دولة “تعمد إلى بيع أو تزويد أو نقل أو شراء النفط أو اليورانيوم أو الغاز الطبيعي أو المنتجات النفطية أو المنتجات البتروكيميائية التي مصدرها الاتحاد الروسي”. بمعنى آخر، يستهدف التشريع الدول المستهلكة للطاقة الروسية.
ويُعتقد أن الهدف من هذا المقترح هو تقويض ما يُعرف بـ”التحالف غير المحدود” بين الصين وموسكو، و”محاسبة الصين لدعمها آلة بوتين الحربية من خلال شراء النفط الروسي الرخيص”، وفقا لنص الإجراءات المقترحة التي يروّج لها السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام من ولاية كارولينا الجنوبية والديمقراطي ريتشارد بلومنتال من ولاية كونيتيكت.
ورغم تردد ترمب في فرض تدابير عقابية على روسيا في حال استمرارها في الحرب، فإن أي خطوة في هذا الاتجاه ستمثل تحولا كبيرا في موقفه من بوتين. فقد أشار خلال الأشهر الماضية إلى أن علاقته الشخصية القوية بالزعيم الروسي قد تفضي إلى تفاوض بين الطرفين لإنهاء الصراع الذي بدأ في فبراير/شباط 2022، عندما شنّت روسيا غزوها العسكري على أوكرانيا.
أعرب الرئيس الأميركي عن “إحباطه الشديد” من الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة الأخيرة التي نفذتها روسيا
وقد وصف ترمب بوتين في أكثر من مناسبة بأنه “عبقري” و”ذكي” وأصرّ على أن السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء النزاع في أوكرانيا يكمن في لقائه شخصيا بالزعيم الروسي. وقال في وقت سابق من هذا الشهر: “لن يحدث شيء حتى ألتقي أنا وبوتين”. غير أن موقفه تغيّر منذ ذلك الحين، إذ أشار إلى أن اتفاق السلام لا يمكن التوصل إليه إلا بين روسيا وأوكرانيا، وليس من خلال لقاء مباشر بين الزعيمين الأميركي والروسي.
وعقب مكالمته الهاتفية الأخيرة مع بوتين، التي استغرقت ساعتين خلال عطلة نهاية الأسبوع، برزت مؤشرات على أن ترمب بدأ يفقد صبره تجاه نظيره الروسي. فقد ادّعى أن بوتين ربما “يماطله” في محاولة لكسب مزيد من الوقت لصالح القوات الروسية على الجبهة الأوكرانية. وازداد غضب ترمب بعد أن شنّت روسيا، في الوقت ذاته الذي كان يسعى فيه إلى التوسط لوقف إطلاق النار، أعنف هجوم جوي منذ بداية الحرب، ما أسفر عن مقتل 13 شخصا وإصابة العشرات.
وكتب ترمب يوم الأحد على منصة “تروث سوشيال”: “لطالما كانت علاقتي جيدة جدا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، لكن شيئا ما حدث له. لقد جُنّ تماما! لطالما قلت إنه يريد أوكرانيا كلها، لا مجرد جزء منها، وربما يتبين أنني كنت على حق، لكن إن فعل ذلك، فسيؤدي ذلك إلى سقوط روسيا”!
وفي إحاطة لاحقة لقادة أوروبيين، أبدى مسؤولون أميركيون اعتقادهم بأن بوتين لا يُظهر اهتماما كبيرا بالتفاوض على اتفاق سلام، لقناعته أنه يحقق تقدما ميدانيا في أوكرانيا. وردا على نوبة غضب ترمب، اتهمت موسكو الزعيم الأميركي بأنه يعاني من “إرهاق عاطفي”.
ومع ذلك، يبدو أن ترمب بات فعليا على وشك فقدان صبره تجاه بوتين، وقد يُغرى باتخاذ خطوات ضد روسيا. وعندما سُئل عمّا إذا كان يعتقد أن بوتين جاد في مسألة محادثات السلام، قال: “سنعرف إن كان يماطلنا أم لا، وإذا صح ذلك، فسنرد بطريقة مختلفة قليلا، لكن ذلك سيستغرق من أسبوع ونصف إلى أسبوعين”.
وأعرب الرئيس الأميركي عن “إحباطه الشديد” من الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة الأخيرة التي نفذتها روسيا، قائلا: “عندما أرى الصواريخ تُطلق على المدن، فهذا أمر غير مقبول. نحن لن نسمح بذلك”. وأوضح أنه يدرس فرض عقوبات جديدة على روسيا، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لا يرغب في اتخاذ هذه الخطوة إذا تبيّن له أن اتفاقا بات وشيكا.
وجاء ذلك بعد أن اقترحت روسيا إجراء محادثات مباشرة جديدة مع أوكرانيا في إسطنبول يوم الاثنين، حيث قالت كييف إنها تدرس المقترح، لكنها شددت على ضرورة أن تقدم موسكو أولا تصورا واضحا لاتفاق وقف إطلاق النار. وفي إطار مقترحاتها للسلام، تُصر روسيا على آليات ملزمة قانونيا تضمن عدم استئناف الصراع، وأكدت وزارة الخارجية الروسية أن كييف على دراية بموقف موسكو الذي ينص على أن التسوية النهائية ممكنة فقط إذا جرى القضاء بالكامل على “الأسباب الجذرية” للنزاع، بحسب ما نقلته وكالة “تاس” الرسمية.
وتُكرّر موسكو دعوتها لمعالجة ما تسميه “الأسباب الجذرية” للحرب قبل التوصل إلى أي اتفاق سلام، وهي عبارة تستخدم للإشارة إلى مطلبها بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” وضرورة تحولها إلى دولة محايدة. وأوضح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن المحادثات الجديدة تأتي استكمالا للجولة التي عقدت في 16 مايو/أيار في الموقع نفسه. وقال: “في إسطنبول، تم الاتفاق على أن تُعد موسكو وكييف وثائق توضح مواقف كل طرف بهدف التوصل إلى تسوية مستدامة. وقد أعدّ الجانب الروسي، بحسب الاتفاق، مذكرة بهذا الخصوص على وجه السرعة. المذكرة تُفصل موقفنا بشأن جميع الجوانب المتعلقة بمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة بشكل موثوق”.
ورغم أن كييف لم ترفض المقترح، فإنها أكدت مجددا أنها لن تنخرط في محادثات جديدة ما لم تتسلم من موسكو تصورا ملموسا لاتفاق وقف إطلاق النار. ويبقى ما إذا كان ترمب سيمضي قدما في تهديده بفرض عقوبات قاسية على موسكو أمرا مرهونا إلى حد كبير بنتائج هذه المحادثات، وما إذا كان سيصل إلى نتيجة مفادها أن بوتين يماطله بالفعل.
+ / –
font change
حفظ
شارك