أَطلق وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، تصريحات لافتة من العاصمة الأوكرانية، كييف، التي وصلها أول أمس، حيث عقد لقاءً مع نظيره الأوكراني، أندريه سيبيها، استهدف تأمين فرص النجاح للاجتماع المقبل والمرتقب بين روسيا وأوكرانيا في مدينة إسطنبول، بعد غد الإثنين. وأعلن الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن بلاده اقترحت يوم الثاني من حزيران موعداً لعقد جولة محادثات مع أوكرانيا، على أن ترسل وفداً إلى إسطنبول.
وقال: «في حال نجاح المفاوضات، يمكن أن ينعقد لاحقاً لقاء يجمع الرئيسَين الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي»، لافتاً إلى أن وفدَي البلدَين سيناقشان «مسوّدة اتفاق وقف إطلاق النار، وأيضاً القضايا الأمنية في البحر الأسود، والتحضير الجيّد للقمّة التي ستجمع بوتين وزيلينسكي والرئيس الأميركي دونالد ترامب». كما نبّه إلى أن تفاصيل مسوّدة الاتفاق لن تعرض على الرأي العام.
وبعد اللقاء الذي جمعه إلى سيبيها، قال فيدان إن «هذه الحرب، إمّا أن تستمرّ ونواصل غضّ النظر، أو أن نتوصّل إلى اتفاق سلام دائم خلال السنة الحالية»، مضيفاً أن اللقاءَين اللّذين استضافتهما تركيا، الأول قبل عامين، والثاني خلال الشهر الجاري، في إسطنبول، «منحا عملية السلام زخماً جديداً، وضاعفا من توقّعات وقف إطلاق النار والسلام». وتابع «(أنّنا) أثبتنا أن إسطنبول مكان مناسب للمفاوضات، خصوصاً بعد إتمام عملية تبادل الأسرى الأخيرة. نريد أن نواصل التقاط اللحظة. فتركيا لا تهدف فقط إلى وقف إطلاق النار، بل إلى إنهاء المأساة الناتجة عن الحرب أيضاً.
نرى إنه من الممكن اتّخاذ قرارات جديدة بناء على ما تحقَّق في لقاء إسطنبول الأخير. وأمل فيدان في أن يستضيف الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في إسطنبول أيضاً، قمّة تجمع الرؤساء الأميركي والروسي والأوكراني، تتويجاً للمفاوضات. وفي طريقه إلى كييف بالقطار، أعرب وزير الخارجية التركي عن تفاؤل بلاده بإحراز تقدُّم على طريق إنهاء الحرب الأوكرانية، خصوصاً وأن الطرفين «لم يرفضا وقف إطلاق النار، ولم يقولا إنهما لا يريدانه. هذه هي المرّة الأولى التي يتمّ فيها الحديث عن وقف رسمي لإطلاق النار، والمرة الأولى منذ وقت طويل التي يتم فيها تبادل ألف أسير. وهذا في حدّ ذاته نجاح كبير».
«موقف تركيا ليس غربيّاً تماماً وليس شرقيّاً تماماً، وهو ما يمكن أن يمنحها قيمة استراتيجية كبيرة»
وكان فيدان زار موسكو، حيث اعتبر أن «تركيا هي اللّاعب الأمثل لاستضافة المفاوضات الروسية – الأوكرانية»، فيما كال المديح لترامب، ووصفه بأنه «صادق ويريد وقف إطلاق النار حالاً». لكنه وجّه تحذيراً إلى روسيا، حين قال إن «أوكرانيا وأوروبا أظهرتا مرونة وتقارباً مع الموقف الأميركي، وقبلتا وقف إطلاق النار. وفي حال لم تظهر روسيا المرونة نفسها، فإنها قد تقع في وضع غير مناسب لها أمام أميركا والرأي العام الدولي». وتحدّث عن رغبة تركيا في استقرار المناطق المحيطة بها، من سوريا إلى العراق والقوقاز والبلقان والبحرَين المتوسط وإيجه.
في المقابل، حذّر المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ديفيد بترايوس، من أنه «في حال نجاح بوتين في حربه على أوكرانيا، فإنه سيهاجم دولة أطلسية أخرى، هي ليتوانيا»، وفقاً لصحيفة «دايلي ميل» الإنكليزية. واتّهم بترايوس، الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، بأنه «لم يسلّح أوكرانيا بما يكفي»، معتبراً أن «التأخّر في إرسال دبابات آبرامز، وعدم إرسال مقاتلات إف-16، أثّرا على مسار الحرب». ورأى أيضاً أن «الدبلوماسية المكّوكية التي يقودها ترامب، تمنح بوتين دائماً فرصة ثانية، وهذا خطأ. سنرى ما إذا كان الرئيس الأميركي سينفّذ ما هدّد به من أنه سيعرض موقفاً مختلفاً في حال لم تتجاوب روسيا مع جهود إدارته»، مضيفاً أن «هدف موسكو هو خلع زيلينسكي، وتعيين رئيس آخر مكانه دمية بيدها».
ومن جهتها، أبرزت الصحافة التركية ما أثير في كييف والصحافة الغربية حول استعداد روسيا لشنّ هجوم كبير على أوكرانيا، عبر حشدها عشرات آلاف الجنود، متحدّثة عن أن موسكو «تعمل بقوّة على زيادة عديد جنودها لشنّ مثل هذا الهجوم الكبير الذي سينهي الحرب كما يأمل الروس». ووفقاً لمراد يتكين، فإن «الحرب في أوكرانيا مستمرّة، رغم جهود الوساطات»، لافتاً إلى أن «تركيا من الدول القليلة التي استطاعت التواصل مع موسكو وكييف، ونجحت في تمرير اتفاقية الحبوب، وتبادل الأسرى، في المفاوضات المباشرة الأخيرة».
وأشار إلى أن «أنقرة تنتقد الغرب أحياناً، رغم عضويّتها في الأطلسي، وتقيم، في الوقت ذاته، علاقات وثيقة مع موسكو في مجال الطاقة والدفاع والتجارة، وذلك بما يخدم مصالحها الإقليمية. موقف تركيا ليس غربيّاً تماماً وليس شرقيّاً تماماً، وهو ما يمكن أن يمنحها قيمة استراتيجية كبيرة في المستقبل». ورأى يتكين أن تشديد روسيا هجماتها على أوكرانيا، «ربّما يهدف إلى خلق أمر واقع، أكثر منه الدفع نحو طاولة السلام»، معتبراً أن «جهود ترامب السّاعية إلى وقف إطلاق النار ولو ليوم واحد، تعكس جهل الولايات المتحدة بالتعقيدات الجيوسياسية العالمية للأزمة».
ودعا الكاتب، الرئيس الأميركي إلى اتّخاذ خطوات «صارمة» تجاه روسيا، والاستفادة أكثر من الإمكانات الدبلوماسية للوسطاء «ولا سيما تركيا ذات الموقع الفريد»، وأيضاً إلى «ألّا يعتمد على غروره الشخصي فقط، وإلا سيذكّره التاريخ على أنه القائد الذي وعد بالسلام، ولكنه شهد تفاقم الحرب ومهّد الطريق لصراعات وكوارث جديدة غير متوقعة».