تنشط استعدادات المصريين لقضاء عطلة صيفية طويلة، تبدأ بحلول إجازة عيد الأضحى المبارك وتستمر حتى نهاية شهور الصيف، بينما تستكمل إسرائيل حشد قواتها باستدعاء 450 ألفاً من قوات الاحتياط، بدعوى استكمال الاستعدادات لحرب شاملة في غزة، يصرّ بنيامين نتنياهو وحلفاؤه من أحزاب اليمين الديني المتطرف،على أنها الحرب التي سوف تنهي كل الحروب.
الطمأنينة والتفاؤل على الجانب المصري، قد يكون مصدرها التمني، فأغلبية المصريين يظنون أن الحرب بعيدة جداً عن مصر، وقد يكون مصدرها ثقة مفرطة في قدرات جيش أنهى للتو عملية تحديث شاملة لأسلحته وقواته، وبنيته التحتية، التي تمددت وانتشرت عبر كافة الاتجاهات الاستراتيجية لمصر شرقاً عبر سيناء، وغربا عبر الصحراء الليبية، وجنوباً عبر السودان وحتى باب المندب.
وبرغم قتامة المشهد الإقليمي منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إلا أن رجل الشارع المصري، واصل حياته الطبيعية غير مبالٍ بسخونة المشهد الإقليمي، مستبعداً بدرجة كبيرة اندلاع حرب كبرى في الإقليم لا تستطيع القاهرة تجنب الانخراط فيها أو الاستدراج إليها.
فقد استطاعت مصر تجنب الانخراط في الصراع على مدى ما يقرب من عشرين شهراً، حفلت بمعارك صغيرة، أو بعمليات كبيرة، شملت غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسوريا واليمن والسودان وليبيا، لكن المخاطر والتهديدات باتت تقرع أبواب مصر، مع تزايد ضغوط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتحقيق رغبته (الشخصية) في امتلاك قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه قسراً، بقصد تحويله الى مشروع عقاري عملاق، قال الرئيس الأميركي إنه سيكون “ريفييرا” في الشرق الأوسط.
حلم ترامب بـ”الريفييرا”، حاولت القاهرة تبديده عبر جهد دبلوماسي منسق، حشدت به مصر أنساقاً للتصدي شملت الطيف العربي عبر قمة عربية، والطيف الإسلامي عبر قمة إسلامية، عدا عن اتصالات مكثفة مع قوى دولية فاعلة في أوروبا والشرق الأقصى، لكن التحرك المصري العربي الإسلامي الدولي، لم يكُن كافياً فيما يبدو لإقناع ترامب بالتخلي عن حلمه بتملك “ريفييرا” الشرق الأوسط، فقد اكتفى الرجل بالقول: “دعونا نرى”!
وبينما تواصل حكومة نتنياهو، بعناد، حشد قدرات حربية ضخمة باستدعاء 450 الفاً من قوات الاحتياط بدعوى مواصلة عملية “عربات جدعون” للسيطرة الكاملة على غزة، والقضاء نهائياً على حماس، بحسب نتنياهو، تبدي القاهرة شكوكاً عميقة في نوايا إسرائيل، التي لم تبذل أدنى جهد لتبديد شكوك مصر، بعدما قرر مجلس الوزراء الاسرائيلي قبل ساعات، إقامة أكثر من عشرين مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، ليعلق أحد رموز اليمين الديني الاسرائيلي بعدها بقوله: “لم يعد هناك مكان لحل الدولتين”.
الاحتشاد الإسرائيلي أكبر من غزة، فهل يشير إلى نوايا إسرائيلية مضمرة لترحيل الفلسطينيين قسراً باتجاه سيناء؟! هذا هو جوهر مخاوف القاهرة التي تواصل الاستعدادات للسيناريو الأسوأ بحشد هو الأكبر شرقي السويس. وتراهن طول الوقت على أن الجاهزية الكاملة لخوض الحرب هي أقصر الطرق لتجنبها، وهو ما تدركه إسرائيل أيضاً.
فلا مصر ولا إسرائيل تريد المواجهة الآن، لكن تجنب الحرب ليس بالأمر السهل، خصوصا في ضوء التباين الحاد بشأنها داخل إسرائيل، وهو التباين الذي شمل كافة مستويات السياسة والحرب، ورصده توماس فريدمان في مقال أخير، مشيراً إلى ما كتبه رئيس الوزراء الأسبق إيهود اولمرت في مقال بصحيفة “هآرتس” معبراً عن تيار الوسط قائلاً: “الحكومة الإسرائيلية تخوض حرباً بلا هدف، بلا تخطيط واضح، ولا فرص للنجاح”. وأضاف “ما نقوم به الآن في غزة هو حرب إبادة: قتل عشوائي غير محدود، قاسٍ وإجرامي للمدنيين”. واستنتج: “نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب”.
ومن تيار اليمين، قال عضو الكنيست عن حزب “الليكود” أمير حليفي، المؤيد للحرب لكنه يرى أن تنفيذها كان فاشلاً: “هذه الحرب خدعة. لقد كذبوا علينا بشأن إنجازاتها”. وأضاف أن إسرائيل “تخوض حربا منذ 20 شهراً بخطط فاشلة”.
ومن اليسار، قال زعيم تحالف “الديمقراطيون” يائير جولان، في مقابلة مع إذاعة إسرائيل: “إسرائيل في طريقها لأن تصبح دولة منبوذة، مثل جنوب أفريقيا سابقاً، إذا لم نعد إلى التصرف كدولة عاقلة. الدولة العاقلة لا تحارب المدنيين، لا تقتل الأطفال كهواية، ولا تجعل من طرد السكان هدفاً لها”.
ولهذا، كان جولان مُحقًا عندما حذر شعبه – بحدة – من أن عليهم التوقف الآن، التوصل إلى وقف إطلاق نار، استعادة الرهائن، إدخال قوة دولية وعربية إلى غزة، والتعامل مع ما تبقى من حماس لاحقًا، مشيراً إلى مقولة “عندما تكون في حفرة، توقف عن الحفر”.
أحد رهانات القاهرة بشأن استبعاد احتمالات الحرب الآن، مصدره تصدع الجبهة الداخلية الإسرائيلية على النحو الذي بينه توماس فريدمان في مقاله المشار اليه، أما رهانها الثاني فهو بشأن حيرة استراتيجية لدى اسرائيل بشأن مستقبل زعامة النظام الإقليمي الشرق أوسطي، الذي ما زالت إيران طرفاً مؤثراً ضمن حساباته، بينما تعكف تركيا على جمع ما يتساقط من ثمار في الإقليم كلما هز أحدهم غصناً في المشرق العربي البائس.
مصر التي تترقب أعظم مواسمها السياحية بافتتاح عملاق للمتحف المصري الكبير في 3 تموز/يوليو، بمشاركة أبرز زعماء العالم، لا تريد ولا ترغب في رؤية أحداث تعكر موسم حصاد السلام في مصر، ولهذا سوف تسعى إلى ترجيح كفة التهدئة، مع التلويح بقدراتها العسكرية المتنامية، كقوة ضامنة للسلام وفق شروطه المصرية.