هل حقا تستطيع صناديق الاقتراع طي الصفحة
الظروف المحيطة بالانتخابات البرلمانية المقررة في العراق لشهر نوفمبر القادم تنطوي على الكثير من المتغيرات محليا وإقليميا، ويتوقّع أن تكون لها تأثيرات على المشهد السياسي القائم والقوى المتحكمة فيه، وذلك في حال تُركت الكلمة الفصل للناخبين وسلم الاستحقاق من التأثيرات الجانبية من ضغوط وإغراءات وتزوير لإدارة الناخبين والتلاعب بأصواتهم.
بغداد- تتواتر التوقعات في العراق بإمكانية أن تُحدث الانتخابات البرلمانية القادمة تغييرات ملموسة في المشهد السياسي القائم منذ اثنتين وعشرين سنة، بما في ذلك تقليص مكانة القوى الشيعية في تجربة الحكم والحدّ من هيمنتها على مؤسسات الدولة وسياساتها، وذلك في حال سلم الاستحقاق المقرّر لشهر نوفمبر القادم من التزوير ومن استخدام السلطة والمال وحتى السلاح في التأثير على إرادة الناخبين، على غرار ما حدث بالفعل في دورات انتخابية سابقة.
ويبني أصحاب تلك التوقعات قراءاتهم للمشهد القادم على ما حدث من متغيرات محلية وإقليمية صبت أغلبها في غير مصلحة القوى الشيعية من أحزاب وفصائل مسلّحة موالية لإيران، لاسيما الخسارات التي مني بها المحور الإيراني في لبنان وسوريا بعد الضربات القاصمة التي تلقاها حزب الله وسقوط نظام بشار الأسد، الأمر الذي ساهم في اهتزاز صورة القوى العراقية التي تشاركهما الانتماء إلى المحور ذاته.
أثيل النجيفي: أربعة عوامل تشير إلى أن البرلمان القادم سيكون بعيدا عن التأثير الإيراني
وعلى صعيد داخلي عراقي يبدو التغيّر واضحا في مزاج الشارع بما في ذلك داخل المناطق الشيعية التي تمثّل الخزان الانتخابي لعدد من القوى الحاكمة، حيث لم تعد العوامل الطائفية والشعارات العقائدية تغري الجمهور الذي بات يواجه معضلات كبيرة وقضايا مصيرية بعضها مستجدّ مثل مشكلة المياه والتلوّث المؤثر على الصحة العامة بالإضافة إلى المشاكل المعهودة من فقر وبطالة وتردّ شديد في مستوى الخدمات العامة، والتي أصبح غالبية العراقيين على قناعة تامة بعدم إمكانية حلّها بنفس الأدوات وأطقم الحكم المنتمية إلى نفس القوى الحاكمة منذ أكثر من عقدين.
وتأتي قراءات المشهد الذي سينتج عن انتخابات نوفمبر القادم في شكل توقّعات على غرار ما صدر عن القيادي السنّي البارز أثيل النجيفي، وتصاغ أيضا في شكل مخاوف وتحذيرات من قبل شخصيات معنية بالحفاظ على مكانة القوى الشيعية في السلطة على غرار ما ورد على لسان خطيب الجمعة في مدينة النجف صدرالدين القبانجي.
وقال النجيفي القيادي في تحالف متحدون الذي سبق له أن شغل منصب محافظ نينوى إنّ دور القوى السياسية المدعومة من إيران في الدورة النيابية المقبلة سيتراجع، متوقّعا أن لا تحصل تلك القوى سوى على ثلاثين في المئة من عدد مقاعد البرلمان في الانتخابات المقبلة.
واعتادت الأحزاب والفصائل الشيعية في الدورات الانتخابية السابقة أن تحصد غالبية مقاعد مجلس النواب. ورغم تعدّد تلك القوى وتقدمها للانتخابات في عدّة قوائم فإنّها كانت تنجح بعد ظهور النتائج في عقد التحالفات وتشكيل الكتل البرلمانية التي كثيرا ما تتسع لتضم قوى أخرى من خارج البيت السياسي الشيعي، لتتمكّن بذلك من الحفاظ على امتياز تشكيل الحكومة والقبض على زمام أبرز المناصب التنفيذية في الدولة وأهمها على الإطلاق منصب رئيس الوزراء.
ورأى النجيفي في منشور بحسابه في فيسبوك أن “هناك أربعة عوامل تشير بوضوح إلى أن البرلمان القادم سيكون أكثر بعدا عن التأثير الإيراني وأن الداعمين لطهران لن تتجاوز نسبتهم في أحسن الأحوال ثلاثين في المئة من المقاعد البرلمانية.”
وبيّن النجيفي أن “السبب الأول في ذلك يعود إلى أن جزءا كبيرا من أصوات وسط وجنوب العراق معارض للنفوذ الإيراني وهذا تبين في الانتخابات الماضية، حيث تم التصويت لصالح التيار الصدري والقوى المرتطبة بتظاهرات تشرين.”
صدرالدين القبانجي: نحن موقفنا مع ما يقوله الدستور من أن الأغلبية السياسية هي التي ستحكم بعيدا عن اللغة الطائفية
وتابع “مع انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية ظهرت التركيبة الحالية للبرلمان. وبالتالي فإن الكثير من تلك الأصوات ستتجه في الانتخابات المقبلة نحو مرشحين معارضين آخرين.”
وأضاف أن “التغيرات الإقليمية أعطت قناعة مؤكدة بأن النفوذ الإيراني تراجع كثيرا، وأن الذين مازالوا يحتمون به يواجهون أزمات ومشاكل، وفقدوا النفوذ والمكاسب، والحال ليس كما كان قبل أربع سنوات.”
وأشار النجيفي إلى أن “أداء الكتل السياسية الفائزة في البرلمان الحالي لم يكن مرضيا لجماهيرها ما تسبب في تراجع شعبيتها”، مؤكدا أن “الانقسام داخل القوى المؤيدة لإيران ومحاولة بعضها التكيف مع التغيرات الإقليمية وتفادي الصدام مع الإرادة الدولية، تمثل عاملا إضافيا في تراجع نفوذها.”
وانتهى القيادي في متحدون إلى قناعة تامّة بأن “التغيير في العراق سيكون تدريجيا ومن خلال صناديق الاقتراع، حيث يتقلص نفوذ جهة لصالح صعود جهة أخرى، وهذا لا يعني زوال جهة معينة، بل فقط ترجيح كفة أخرى عليها.”
ولم يكن المحافظ الأسبق لنينوى أول من أثار إمكانية تراجع مكانة حلفاء إيران العراقيين في حكم البلاد، حيث سبق للقبانجي خطيب جمعة النجف أن أثار ذلك على شكل تحذير من زوال حكم الشيعة في البلاد قائلا إنّ هناك “أمرا يدبر بليل” لانتزاع الحكم من هذا المكون.
وتقود تجربة الحكم التي انطلقت في البلد منذ سقوط نظام حزب البعث قبل اثنين وعشرين سنة بشكل رئيسي أحزاب دينية شيعية بمشاركة قوى متعددة الانتماء القومي والطائفي في نطاق نظام المحاصصة.
ورأى القبانجي في إقبال السكان في المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية على تحديث بطاقاتهم الانتخابية أكثر من مناطق الوسط والجنوب محاولة تهدف إلى انتزاع الحكم من الشيعة.
وحث في خطبة صلاة الجمعة الماضية الجميع على تحديث بياناتهم استعدادا للانتخابات. وقال إن “الإحصاءات الآن تقول إنّ الذين ذهبوا للتحديث في المحافظات الغربية أكثر من الوسط والجنوب، وهذا معناه أمر مبيت بليل. كما صرّحوا بأنهم يريدون أخذ الحكم من الشيعة.”
وتمثّل محافظات وسط وجنوب العراق موطنا أساسيا لأنباء الطائفة الشيعية العراقية وتعتبر بالنتيجة الخزان الانتخابي الرئيسي للقوى والشخصيات السياسية الشيعية التي ستشارك في الاستحقاق المرتقب.
وأضاف القبانجي المعروف بكثافة تدخلاته في الشأن السياسي “نحن موقفنا مع ما يقوله الدستور من أن الأغلبية السياسية هي التي ستحكم بعيدا عن اللغة الطائفية، حيث إن الدستور العراقي يقول إن الأكثرية السياسية لها الحق في الحكم.”
في المناطق الشيعية التي تمثّل الخزان الانتخابي لعدد من القوى الحاكمة، حيث لم تعد العوامل الطائفية والشعارات العقائدية تغري الجمهور
وخاطب أبناء المكون الشيعي العراقي قائلا “فليذهب الجميع لتحديث البطاقة الانتخابية والحضور الفعال في الانتخابات لنشكّل نحن الأكثرية السياسية، وهو الواقع، ولا بدّ أن يكون لنا حماس من أجل تصحيح الأخطاء الانتخابية السابقة.”
وكان الخطيب نفسه قد تطرق في خطبة سابقة إلى مشكلة العزوف الانتخابي قائلا إنّ “الإصلاح لا يكون من خلال المقاطعة بل من خلال العمل والحضور وانتخاب الأصلح”، معتبرا أن “المقاطعة تعني ضياع العراق وتقدّم الآخر.”
ويرى متابعون للشأن السياسي العراقي أنّ من الخطأ أن تتقدّم القوى السياسية العراقية للانتخابات القادمة وفقا للأسس الدينية والقومية المعهودة وأن تواصل الاعتماد عليها للتغطية على افتقارها للبرامج والحلول العملية لمشاكل التنمية والاقتصاد والعمران والتلوث وشح المياه والفقر والبطالة التي باتت مشغلا رئيسيا لرجل الشارع العراقي.