–
مرّت المواجهة الحربية بين الهند وباكستان من دون أن تثير اهتماماً ملحوظاً خارج جوار البلدين في جنوب ووسط آسيا و”العالم الصيني”. حصل ذلك رغم أن كل ما يحيط بتلك الجولة من النزاع التي يصنّفها مؤرّخون خامسة وآخرون سادسة منذ 1947 كان يستوجب استنفاراً عالمياً بخمسة نجوم. فهي أولاً تحصل بين بلدين نوويين تنطبق على قيادتيهما كثير من صفات “الدول المارقة”؛ واحدة قومية ــ دينية يمينية متطرّفة، وأخرى يمتلك العسكر الكلمة العليا عليها وتمتهن تاريخياً رعاية تنظيمات إرهابية منذ ما قبل “طالبان” و”لشكر طيبة” و”جيش الإسلام”. ثانياً، ساحة الجولة الحربية تدقّ أبواب الحدود الجنوبية للصين التي تمتلك حصتها في المنطقة المتنازع عليها في إقليم جامو وكشمير ومنطقة الهملايا. ثالثاً، هي حرب يتواجه فيها رابع أقوى جيش في العالم (الهند) والجيش الـ12 الأقوى، مليون و500 ألف جندي وضابط هنا ضد 650 ألفاً هناك، يمثلون أكبر كتلة سكانية في الكوكب، مليار و750 مليون إنسان ما بين البلدين، هم من بين أفقر شعوب العالم، ولو تطورت أحداثها لكانت حرباً دينية هائلة، وقد تفجّر معها حروباً أصغر في أماكن كثيرة يتنازع فيها هندوس ومسلمون بصفتهم مواطنين أو مقيمين، فضلاً عمّا قد تتسبّب به من موجة لجوء هائلة قد تصل إلى أوروبا. رابعاً، ظهرت أدوار خارجية كانت جديرة باجتذاب اهتمام عالمي لم يحضر لوقف المواجهة التي بدأت باردة منذ 24 إبريل/ نيسان وتوقفت في العاشر من مايو/ أيار. حضرت الصين بأسلحة الجيش الباكستاني، كذلك تركيا، بينما كشف حجم التسليح الإسرائيلي للهند مجدّداً المرحلة المتقدّمة التي بلغتها الدولة العبرية في قطاع الموت وتكنولوجيا الحروب وصناعة آلاتها وتجارتها. هذه بعض الأسباب الموجبة التي كانت جديرة بأن يعتبرها الغرب وروسيا والصين ودول عربية خليجية طارئة للغاية ليتدخلوا، ولكنهم لم يفعلوا.
ويتذكر العاملون في رصد الصحافة العالمية ووكالات الأنباء توسّلات باكستان للعالم بأن يتدخّل ضغطاً على نيودلهي لتحجم عن تنفيذ تهديداتها بشن حرب شاملة، وبأن تتوسّط أميركا أو أوروبا أو دول عربية أو الأمم المتحدة أو أيّ كان بين قيادتي البلدين… ونادراً ما قوبل ذلك الرجاء حتى ببيانات وتصريحات، ما خلا مناشدات بليدة لضبط النفس. لا سارعت واشنطن إلى إرسال مبعوثيها إلى المنطقة كما يحصل عادة عندما تحضر رغبة أميركية جدّية. لا الاتحاد الأوروبي أوفد رئيسة مفوضيّته أورسولا فون ديرلاين أو مسؤولة شؤونه الخارجية كايا كالاس. حتى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لم يتحرّك. لا وساطات ولا مؤتمر دولي طارئ، لا شيء إلا تصريح صادم لماركو روبيو إياه بأن ما يحصل شأن هندي ــ باكستاني لا أميركي. وقد عكس أداء الإعلام الأوروبي قلة الاهتمام بتلك الحرب، ما عدا الميديا البريطانية لأسباب تاريخية استعمارية وأخرى تفرضها حقيقة أن أكبر جاليتين في بريطانيا هما الهندية والباكستانية.
ترجمت إدارة العالم أذنه الصماء للجولة الحربية بين الهند وباكستان ملمحاً للنظام العالمي الذي نتلمّس شكله مع دونالد ترامب، فأميركا في زمن هذا الرئيس نظرها قصير إلى درجة أنها غير معنيّة بأي شيء يحصل بعيداً عن حدودها ولا ينعكس مباشرة على أمنها واقتصادها. التكتيك عندها من ذهب والاستراتيجيا ثرثرة لا طائل منها. وبين نيودلهي وإسلام أباد، تجد واشنطن نفسها بطبيعة الحال مع الأولى حليفةً وزبوناً تجارياً وعدواً للصين وحليفاً للحليف (الإسرائيلي)، من دون أن يعني ذلك دعماً مجانياً غير مدفوع ثمنه نقداً في حربها ضد باكستان.
جولة الربيع من النزاع كانت حرباً على المياه أيضاً، وذلك معلم آخر للنظام الدولي الجديد. وبما أن أنهار كشمير هي المصدر الأساسي لمياه الهند وباكستان، فإن إقفال نيودلهي الصنبور عن الجار ــ العدو يعني أنّ ما أبرمه ترامب بين البلدين في العاشر من مايو ليس سوى تجميد لنزاع وليس إنهاء لحرب، فما بين الهند وباكستان ما يتجاوز قدرة مقاوِل فاشل على البيع والشراء.