ملخص
التطور الدرامي يبدأ في العمل، حين تحصل العميلة على معلومات تفيد بأن إيران ستجري الاختبارات النهائية على القنبلة النووية التي حصلت على كل أجزائها.
هل تمتلك إيران قنبلة نووية، كيف سنتصرف حيال ذلك، وكيف سنعطل هذه القنبلة؟
أسئلة كثيرة تشغل بال الإسرائيليين، حول ما تفعله طهران في منشآتها النووية، وتشكل هذه الأسئلة محور الموسم الثالث من مسلسل الجاسوسية “طهران” الذي يتناول الصراع بين بلدين يحاولان اختراق بعضهما بعضاً أمنياً ومعلوماتياً.
المتابع للشريط الإخباري، تعترضه دوماً التهديدات بين تل أبيب وطهران، ونشرت أخيراً شبكة “سي أن أن” الإخبارية نقلاً عن مسؤولين أميركيين مُطلعين أن معلومات استخبارات جديدة حصلت عليها الولايات المتحدة تشير إلى أن إسرائيل تُجهز لضرب منشآت نووية إيرانية.
وأضافت الشبكة أنه لم يتضح بعد ما إذا كان القادة الإسرائيليون قد اتخذوا قراراً نهائياً، مشيرة إلى وجود خلاف داخل الحكومة الأميركية بشأن ما إذا كانوا سيقررون في نهاية المطاف تنفيذ الضربات. ولم يصدر أي تعلق من مجلس الأمن القومي الأميركي أو من السفارة الإسرائيلية في واشنطن أو من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وقال مصدر مطلع على المعلومات الاستخباراتية إن احتمال توجيه إسرائيل ضربة لمنشأة نووية إيرانية “ارتفع بشكل كبير في الأشهر الأخيرة”.
لا يخرج المسلسل من هذا الجو العام المرافق للشريط الإخباري. إيران تريد الحصول على القنبلة، وإسرائيل تعمل جاهدة لمنعها من الحصول على مرادها.
لكن الموسم الثالث من “طهران”، لم يحظ بالانتشار، وإذا بحثنا باللغتين العربية أو الإنجليزية عبر الإنترنت، لن نجد أخباراً عنه على عكس الموسمين السابقين اللذين عرضا على “أبل تي في”، فيما عرض الموسم الثالث على التلفزيون الإسرائيلي، وبذلك حظي بالجمهور المحلي فقط.
بعد فترة وجيزة من انتهاء التصوير منتصف عام 2023، تطور الصراع بين إسرائيل و”حماس” بشكل كبير بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الثاني)، مما أدى إلى زيادة الحساسيات حول محتوى المسلسل- الذي غالباً ما يعكس التوترات الجيوسياسية في العالم الحقيقي، بخاصة في ما يتعلق بطموحات إيران النووية والتجسس الإسرائيلي.
وبسبب طبيعة المواضيع التي يتناولها العمل، اتخذت منصة “أبل تي في” وهيئة البث العام الإسرائيلية “كان” قراراً مشتركاً بتأجيل عرض المسلسل على المستوى الدولي، وحتى كتابة هذه التقرير، لم تعلن الشركة بعد عن موعد العرض الجديد.
ويبدو أن الدافع وراء هذا التأخير أكثر من مجرد لوجستيات. فطهران تستكشف التجسس والمناورات السياسية عالية الأخطار التي تشمل إيران وإسرائيل- وهي مواضيع أصبحت أكثر تقلباً منذ أواخر عام 2023. وبالنظر إلى أن “أبل” شركة تكنولوجيا وترفيه عالمية لها مصالح في أسواق متعددة، فمن المحتمل أن تتوخى الحذر قبل إطلاق محتوى مشحون سياسياً قد يثير الجدل.
هناك أيضاً احتمال أن تكون Apple TV+ تحتفظ بالإصدار بشكل استراتيجي لإقرانه بدفعة تسويقية أو دورة أخبار عالمية أقل حساسية من الناحية السياسية. بعض منصات البث تؤخر العروض لأسباب تتعلق بتوازن البرامج أو توقيت الجمهور، ولكن مع طهران، من الصعب تجاهل الزاوية الجيوسياسية.
ما الجديد
ينطلق المسلسل من حيث انتهت أحداث الجزء الثاني باغتيال عميلة الموساد نيف سلطان، قائد الحرس الثوري الإيراني، وتبعات هذا الاغتيال.
بين الحقيقة والاقتباس: أفلام الموساد “البطولية” تبيّض صورة إسرائيل
التطور الدرامي يبدأ في العمل، حين تحصل العميلة على معلومات تفيد بأن إيران ستجري الاختبارات النهائية على القنبلة النووية التي حصلت على كل أجزائها. لكن الموساد فقد الثقة بعميلته تمار رابينيان، وقرر تصفيتها لأنها لم تعد مفيدة له وكشفت أساساً بالنسبة إلى بعض القادة الإيرانيين.
بما تمتلكه من قدرات تجسسية وإلكترونية، تعرف عميلة الموساد، كيف تعود إلى اللعبة وبناء الثقة مجدداً بجهازها الاستخباراتي، بمساعدة من خلية إسرائيلية نائمة في طهران.
ويبدو لافتاً في العمل الذي كتبه موشيه زوندر ودانا إيدن وماور كوهن وأخرجه دانيال سيركين، الذي يعمل أيضاً كمؤلف مشارك، كيفية تصوير التفوق الإسرائيلي في كل شيء، وسهولة اختراقهم للشبكات الإيرانية والمباني الحكومية.
هذه السهولة تخدم السردية الإسرائيلية في التفوق على الجميع، وتبدو صالحة لعمل سيعرض فقط، محلياً، لكن حين يكون العمل جماهيرياً وحقق نجاحاً بصرياً في العديد من البلدان، فهذه السهولة تصبح استخفافاً وسخرية من الآخر.
الشخصيات
البارز في الموسم الثالث أيضاً، مشاركة الممثل الإنجليزي هيو لوري في دور إريك بيترسون، وهو مفتش نووي من جنوب أفريقيا. يتقلب الدور الذي يلعبه لوري كثيراً بشكل درامي، فبعد أن يصدّق المشاهد أنه يتجسس على البرنامج النووي الإيراني، نكتشف أنه يساعد طهران في بناء القنبلة. ومع تطور الأحداث يعود الممثل إلى جذوره، ويكون بطل تعطيل القنبلة، وتخريب البرنامج النووي.
وتبرز أيضاً نيف سلطان بطلة العمل، في تقديم دور مركب ما بين الإنسانية (وهي مقصودة هنا من المخرج، ليقول إن إسرائيل أيضاً دولة مسالمة) والعنف والدفاع عن الإيرانيات والمطالبة بحقوقهن.
تعيد نيف اكتشاف نفسها في الموسم الثالث، تعابير وجهها مختلفة. الحب الذي كانت تشعر به في الموسم الثاني، والنظرات الهائمة لم تعد موجودة. ما قدمته في الموسم الجديد، مزيج من الحزن والخوف والرهبة والصدمة، والانفعالات الصامتة، والجوانب النفسية العميقة للعمل السري طويل الأمد والخسائر التي تلحق بهويتها الشخصية.
يتعمق المسلسل في تعقيدات العمليات الاستخباراتية الحديثة في الشرق الأوسط. وتضيف شخصية هيو لوري طبقة أخرى من التشويق، حيث يلعب شخصية غامضة ذات ولاءات غير مؤكدة.
من الجانب الإيراني يبرز دوماً شون توب بدور فراز كمالي، ضابط الأمن الإيراني العنيد الذي لا يلين وتجعله شخصيته الأخلاقية المعقدة أحد أكثر شخصيات المسلسل إثارة للاهتمام.
يعيش كمالي صراعاً ما بين الولاء للنظام، والتواصل غير المقصود مع الموساد. وتسجل للمخرج هنا نقطة إيجابية، أنه لم يقدم هذه الشخصية على أنها استغلالية أو حاقدة على النظام، بل وطنية متمسكة بوطنيتها وقناعاتها ومدافعة عنها. فيما قدّم المخرج العديد من الشخصيات المتآمرة على النظام والتي تريد المساعدة في إخراجه.
واللافت في الجزء الجديد من العمل الدرامي، دور وكالة الاستخبارات الأميركية الذي ظهر فجأة في النهاية، وهذا تطور لم يكن واضحاً في الجزءين السابقين.
لطالما استخدم مسلسل “طهران” أجواءه لاستكشاف النسيج الغني للثقافة الإيرانية، حيث يقارن بين القيم التقليدية والحداثة، ويستمر ذلك في الجزء الجديد في المحافظة على الهوية والانتماء.
ويخلق تراث تمار المزدوج كيهودية إيرانية تعمل لمصلحة إسرائيل توتراً مستمراً وغموضاً أخلاقياً يثري سرد القصص.
ويبدأ تاريخ اليهود في بلاد الفرس قبل أكثر من 2400 سنة، إذ وصلوا إلى هناك بعد استيلاء الملك بخت نصر على القدس وقيامه بسبي الآلاف من اليهود ونقلهم إلى بلاد ما بين النهرين، ومن بابل انتقل اليهود إلى العمق الإيراني.
وحدثت موجتان كبيرتان لهجرة يهود إيران، الأولى التي أعقبت إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، والثانية التي أعقبت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. في عهد الشاه كان يعيش في إيران عشرات الآلاف من اليهود، ولكن كثراً منهم هاجروا بعد الثورة.
ويعيش في إيران أكثر من 10 آلاف يهودي، وهم بذلك يشكلون أكبر تجمع يهودي في الشرق الأوسط بعد إسرائيل وتركيا، وغالبيتهم من الطبقة الوسطى- المثقفة، لديهم أملاك، وعائلات وأعمال، ولا يرون بذلك أي مشكلة، حتى وإن كانت إسرائيل، دولة اليهود، تعد عدو بلادهم الأكبر. ويتوزع يهود إيران في طهران وهمدان وأصفهان وأهم مقابرهم ومزاراتهم، مقبرة النبي دانيال، والنبي يعقوب.
تجاهل العمل كل هذا التاريخ للطائفة اليهودية، ومر ببساطة على هذه الطائفة عبر ربط عميلة “الموساد” بجذور لها في طهران فحسب، من أجل الحبكة الدرامية، وهذا خطأ يحسب على صناع العمل، إذ كان بإمكانهم التعريف بهذه الطائفة الخفية ودورها في البلد الذي تسكنه، وما سبب وجودها هناك حتى هذه اللحظة.