ملخص
من حق المراقب والمتابع أن يسجل ملاحظاته ويقول رأيه ويحلل وينظر كما يحلو له، لكن للمعترضين على تطور علاقات القاهرة وطهران فإن لسان حال الدولة المصرية والشعب المصري يقول باللهجة المصرية الفصحى “وأنت مالك؟” وترجمتها بالخليجي “وأنت شكو؟”.
كان هناك تطور إعلامي حول العلاقات بين مصر وإيران في الأيام الماضية، إذ زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي القاهرة الإثنين الماضي، والتقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره بدر عبدالعاطي.
عقد الوزيران مؤتمراً صحافياً بعد ذلك أعلنا فيه عن رغبة الطرفين بالتنسيق في شتى القضايا واستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين طهران والقاهرة، وتطلعهما لتقوية العلاقات بينهما، مما قد يقود لاستئناف العلاقات الدبلوماسية التي قطعتها إيران ومصر عام 1980 بسبب استقبال الرئيس المصري آنذاك الشاه المخلوع ودفنه بالقاهرة بعد وفاته.
ضجت وسائل إعلامية مختلفة حول هذا التقارب، بعضها تفسر أسبابه، وبعضها تحذر منه، وأخرى تخوف منه، ورابعة فرحة به.
التفسير:
فسر البعض دعوة الوزير الإيراني كنوع من الانتقام من زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لثلاث دول خليجية وتجاهل مصر في هذه الزيارة، وحصوله على اتفاقات ووعود ومذكرات تفاهم تصل تقديراتها إلى تريليونات الدولارات.
هذا التفسير قاصر، فلو أن التقارب كان بين الصين ومصر، لصح القول إن مصر تتوجه نحو الصين المنافس الأقوى اقتصادياً للولايات المتحدة الأميركية وثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما إيران فهي مفلسة اقتصادياً وتعاني عقوبات اقتصادية شديدة وعزلة دولية خانقة، لذا من غير المنطقي القول إن مصر توجهت للعلاقة مع إيران لأسباب اقتصادية.
هل يمهد اتفاق الرياض – طهران لـ”تطبيع محتمل” بين مصر وإيران؟
وأن الزيارة أيضاً ليست الأولى للوزير عراقجي، فقد زار القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي وأكل الكشري فيها، هذه المرة أكل في مطعم “نجيب محفوظ” وصلى بالحسين.
الانتقام من دول الخليج:
توجهت مصر لإحياء العلاقة مع إيران انتقاماً من دول الخليج التي “أعطت” ترمب تريليونات الدولارات ولم تعطِ مصر شيئاً، ولأن زيارة ترمب لم تشمل القاهرة. وهذا القول مجاف للحقيقة، لأن دول الخليج تقيم علاقات مع إيران وتنادي ليل نهار بالتعاون معها على أسس من المصالح وحسن الجوار، فكيف تنتقم مصر من الخليج بإقامة علاقة معها ودول الخليج تسبقها بالعلاقة مع طهران؟ كما لم تقصر دول الخليج يوماً بواجبها تجاه مصر، بلا منة، وبشهادة الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه، ومصر ليست بالجاحدة ولا بالمتخلية عن التزاماتها. أما جدول ومحطات زيارات ترمب فلا تحددها دول الخليج ولا غيرها.
تحذير وتخويف:
راح البعض يوجه التحذيرات لمصر ويخوفها من التقارب مع إيران: ستعمل على تشييع مصر على الطريقة الولائية، وسوف تحول المقامات الدينية في مصر إلى “ملطمة” شبيهة بتلك التي عملتها بسوريا والعراق، وستثير النعرات الطائفية فيها، وتعمل جاهدة على تخريبها مثلما دمرت وخربت العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهكذا.
لقد أغفل هؤلاء أن مصر رصدت وترصد السياسة الإيرانية في المنطقة، وليست بغافلة عن تاريخ تدخلاتها بالمنطقة العربية، ومن ثم فعليهم توفير نصائحهم، فهل من المعقول أن يغيب عن مصر أن الخطاب الإيراني الداخلي لا يزال يعبئ الأنصار لتصدير الثورة؟ فلدى مصر مراكز للتحليل والمعلومات ترصد الأنشطة الإيرانية التخريبية في المنطقة، ولن تكون مصر بتاريخها لقمة سائغة للمخططات الإيرانية كما يظن هؤلاء.
ويزيد هذا الفريق، أن إيران لن تفيد مصر أو تساعدها في تجاوز صعوباتها الاقتصادية، فإيران نفسها تعاني صعوبات اقتصادية أشد بكثير مما تواجهه مصر. لكن العلاقات بين الدول لا تقوم بالضرورة على الفوائد المادية وحسب، فقد يكون هناك تبادل لخبرات تعليمية وثقافية وصناعية وتكنولوجية.
مصر وإيران دولتان كبيرتان في المنطقة، ونتمنى أن تعزز عودة العلاقات بينهما الاستقرار بالمنطقة. العلاقات بين البلدين شأن يخصهما ولا شأن لأحد آخر بذلك. من حق المراقب والمتابع أن يسجل ملاحظاته ويقول رأيه ويحلل وينظر كما يحلو له، لكن للمعترضين على تطور علاقاتهما، فإن لسان حال الدولة المصرية والشعب المصري يقول باللهجة المصرية الفصحى: “وأنت مالك؟”، وترجمتها بالخليجي “وأنت شكو؟”.