على لبنان أن يقلق فعلا بحسب زوار العاصمة الاميركية، إذ إن إلغاء مهمة مورغان أورتاغوس في حال عدم تعيين خلف لها سريعا للاهتمام بالملف اللبناني -الإسرائيلي، مؤشر ليس مريحا، خصوصا في ظل المقارنة التي لا تستطيع أوساط سياسية لبنانية تجاهلها في الدينامية النشيطة التي اتصف بها تحرك الموفد الأميركي إلى سوريا والسفير في تركيا توم باراك الذي زار إسرائيل قبل يومين للبحث مع المسؤولين في الوضع السوري. من شأن ذلك أن يؤجل طويلا انسحاب إسرائيل من الجنوب والتفاوض المحتمل على النقاط الحدودية. وزيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وإن بدأها بالإعلان من مطار بيروت عن رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة مع لبنان، يفترض أن تعني إقفال الصفحة الماضية من تدخل إيران عبر دعم “حزب الله”، وقد شابها أمران: الأول هو ما نقل عن عراقجي من كلام أمام وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي أن الديبلوماسية وحدها قد لا تكون كافية لإخراج إسرائيل من الجنوب. والامر الآخر والذي ألقى بظلال من الشك حول صدق النيات الإيرانية بعلاقات من دولة إلى دولة هو الكلام الذي قاله عن “ازدياد قوة المقاومة” من ضريح الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصرالله.
بعض القلقين لا يغفلون تساؤلات حول الزيارة التي تأتي في إطار مفاعيل المفاوضات القائمة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وبالتالي فرص التوصل إلى حل ديبلوماسي بينهما على خلفية قراءة كلام عراقجي عن فتح صفحة جديدة مع لبنان على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية التي تبرع فيها إيران، على خلفية أن التكتم الأميركي عن تغيير الفريق الموكل بالملف اللبناني والمعروف بمواقفه تجاه إيران و”حزب الله”، أي نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس، ربما لا يكون مرتبطا بحكومة بنيامين نتنياهو، بل وأيضا بالمفاوضات مع إيران. وتبعا لذلك، ينظر إلى إلى هذه النظرية على قاعدة احتمال إجراءات بناء الثقة بين الطرفين الأميركي والإيراني، فيما لا يزال لبنان ساحة ممكنة وفاعلة لتوجيه الرسائل أو تبادلها في هذا الإطار . ولا يستهين هؤلاء بهذه العناصر انطلاقا من أن الاتفاق النووي عام 2015 أتاح لإيران إمساك الوضع اللبناني بكليته وتأمين انتخاب ميشال عون، فيما المتغيرات الإقليمية لا تسمح باستعادة الانعكاسات نفسها لجهة نفوذ إيران الساعية إلى تأكيد استمرار النووي في مقابل التخلي عن أذرعها لعدم الحاجة إليها إذا ضمنت قدرتها النووية. في المقابل، ترى الولايات المتحدة أن أذرع إيران في المنطقة قد قطعت فعلا، وتؤكد المعلومات من واشنطن أن لا شيء في المفاوضات سوى الملف النووي، ولا حاجة إلى البحث في أذرع إيران.
والمقلق هو ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبان زيارته المملكة السعودية الشهر الماضي حين أتى على ذكر لبنان، ولم يكن إيجابيا، بمعنى انعكاس نظرة الإدارة للبنان. وقياسا بما يعبر عنه الرئيس الأميركي الذي يخرج عفويا عن النص المكتوب لعرض أفكاره، فإن على لبنان أن يقلق من هذه الملاحظات.
وفي واشنطن تتغير الأمور ابسرعة أكبر من أي مكان آخر، وخصوصا مع رئاسة ترامب. ولهذا السبب ينبغي أن يكون المرء حذرا وهو يتعامل مع واشنطن، لأن الأمور يمكن أن تتغير وكذلك الأفكار والأولويات. لذلك يفترض أن تكون العلاقات مع المواقع الأكثر ثباتا على غرار المملكة السعودية والإمارات العربية وقطر . وهي ثلاث دول تملك تأثيرا كبيرا ولا سيما في المنطقة وخارجها وفق ما بات يتضح في ملفات كثيرة. والمؤشر الأهم لذلك يتصل بسوريا، باعتبار أن كل المؤشرات عن تغييرات في الموقف الاميركي من سوريا قبل زيارة ترامب كانت تنحو في اتجاه عدم إمكان الانفتاح أو رفع العقوبات والإقرار بشرعية أحمد الشرع . وحين غير الرئيس الأميركي موقفه في الرياض من سوريا تبدلت الأمور بسرعة في واشنطن في ما يتعلق بسوريا، لأن القوة الإقليمية راهنا في المنطقة، أي المملكة السعودية، بالإضافة إلى تركيا ، ساهمت في ذلك انطلاقا من ان استقرار المنطقة ووضعها الاستراتيجي لا يسمح ببقاء سوريا خارج اللعبة السياسية، فيما المملكة لا تريد ان تعيد الخطأ الذي ارتكب في 2003 حين ترك العراق لمصيره فملأت ايران الفراغ في العراق، بينما تركيا لاعب اساسي في سوريا راهنا .
على ذمة الزوار ايضا، ثمة استياء ملموس في العاصمة الاميركية مما يطلقون عليه تسويفا في لبنان ( procrastination ) فيما تركت واشنطن للبنان مهمة ايجاد السبل التي يراها مناسبة لانهاء سلاح الحزب واستعادة قراره، انما ليس من ضمن مهلة مفتوحة يخشى هؤلاء المعنيون ان تتم المماطلة فيها وبدء خسارة العهد الجديد “المومنتوم” الدولي والاقليمي للاقلاع بقوة، اقله وفق المخاوف والانتقادات التي بدأت تتصاعد داخليا ولا سيما اذا كان لهذه الانتقادات صدى في الخارج او هي صدى له، وهذا اكثر فداحة.