ما الذي يمكن لأوجلان تحصيله من تركيا بعد نزع مخالب حزبه
تركيا التي ترى نفسها في موضع قوّة في صراعها ضدّ حزب العمال الكردستاني بفعل نشاط قواتها على أرض العراق والتوسّع الكبير في عملياتها هناك والوفاق الذي أصبحت تحظى به بشأن الموقف من الحزب من قبل السلطات العراقية، لا تكفّ رغم ما أظهره الحزب من جنوح للسلام عن توجيه الإنذارات إليه بأن خيار القوة ضدّه لم يلغ بالكامل وأنّه لا يزال قائما حتى تلبي قيادته جميع اشتراطات السلام وفقا للمنظور التركي.
أنقرة- تظهر تركيا في خطابها المتعلّق بمسار السلام مع حزب العمّال الكردستاني حرصا واضحا على إظهار نفسها في موقف قوّة إزاء الحزب معلنة عدم إلغائها إمكانية العودة الفورية للخيار العسكري ضدّه، وهو ما تؤكّده عمليا المعطيات الميدانية على أرض الواقع والتي تظهر عدم حدوث أي تغييرات ذات أهمية على تموضع القوات التركية والأنشطة العسكرية والاستخباراتية داخل الأراضي العراقية التي مثّلت مسرحا رئيسيا للصراع المتواصل بين مقاتلي الحزب والجيش التركي على مدى العقود الأربعة الماضية.
ورغم التطور النوعي المسجّل في ذلك الصراع والمتمثّل في إعلان حزب العمال في مايو الماضي قراره بحل نفسه وإلقاء السلاح استجابة لدعوة مؤسسه وزعيمه عبدالله أوجلان المسجون في تركيا، لا تزال العملية السلمية المفترضة تفتقر للكثير من التفاصيل العملية التي قد ينطوي بعضها على عوائق وصعوبات يمكن أن تؤدّي إلى نسف المسار الذي لم تظهر منه إلى حدّ الآن سوى عناوين عريضة مبهمة، وهو ما يفسّر إعلان تركيا عن مواصلتها مراقبة الحزب وتتبع خطواته واختبار حسن نوايا قيادته.
عائشة غول دوغان: لقاء القادة الأكراد في العراق وسوريا هو مطلب أوجلان شخصيا
وعلى الطرف المقابل تبدو قيادة الحزب على دراية بصعوبة المسار وإمكانيات انتكاسه ما يدفعها لمحاولة تحصينه عبر الاستعانة بالأطراف والقوى التي ساهمت في إطلاقه وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة المرجع الكردي المخضرم مسعود بارزاني.
وفيما أكدت وزارة الدفاع التركية الخميس أنها تتابع عن كثب التطورات الميدانية بخصوص قرار حل حزب العمال الذي لا تزال تصفه بـ”الإرهابي” وتتخذ التدابير اللازمة في ضوء تطورات تنفيذ القرار، كشفت جهات مقربة من الحزب عن رغبة زعيمه أوجلان في عقد لقاءات مع أبرز القيادات الفاعلة في إقليم كردستان العراق.
وقال المستشار الإعلامي بوزارة الدفاع التركية العقيد البحري زكي أق تورك الخميس في إفادة صحفية، إنّ ستّة من عناصر حزب العمال الفارين من شمال العراق سلموا أنفسهم لقوات الأمن التركية خلال آخر أسبوع.
وأضاف أن القوات التركية دمرت العديد من الملاجئ ومستودعات الأسلحة العائدة للحزب في شمال العراق، مشدّدا على أنه لن يتم التغاضي، بأيّ حال من الأحوال، عن إساءة استغلال عملية اندماج قوات سوريا الديمقراطية مع الإدارة السورية، وتابع قائلا “نؤكد مرة أخرى أن عزم تركيا على مكافحة الإرهاب لم يشهد أي تراجع.”
وأردف “هدفنا الأساسي هو حماية وحدة وسلامة أراضي سوريا، وزيادة قدرتها الأمنية، وضمان التعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب.”
ومن جهتها كشفت عائشة غول دوغان المتحدثة باسم حزب المساواة وديمقراطية الشعوب أن عبدالله أوجلان طلب عقد لقاء مع كل من مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، ونيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، وبافل طالباني زعيم الاتّحاد الوطني الكردستاني، وقوباد طالباني القيادي في الحزب نفسه، وكذلك مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية.
وشدّدت دوغان في مؤتمر صحفي على أنّ لقاء هؤلاء القادة الأكراد “هو مطلب أوجلان نفسه،” لافتة إلى أهمية أن تنعقد اللقاءات في أقرب فرصة.
وكان حزب العمال قد أعلن في مايو الماضي قراره إنهاء أكثر من أربعين سنة من المواجهة العسكرية وحرب العصابات ضد القوات التركية وذلك بحل نفسه وإلقاء السلاح استجابة لدعوة مؤسسه وزعيمه عبدالله أوجلان المسجون في تركيا.
ويقول متابعون للملف إنّه ما زال من المبكر الحديث عن نتائج سياسية وأمنية فورية للقرار الذي لا يزال يفتقر للتفاصيل العملية والخطوات الإجرائية، كما لا يتوقع أن تبادر تركيا باتخاذ خطوات على الأرض في ضوئه ومن ذلك تعديل إجراءاتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية في مواجهة مقاتلي الحزب داخل أراضي العراق التي اتخذوا منها على مدى عقود من الزمن موطنا لخوض حربهم الطويلة ضد الجيش التركي.
وعلى مدى سنوات طويلة أسست تركيا وجودا عسكريا مهمّا لها في عدد من مناطق شمال العراق وأقامت بنية تحتية عسكرية، ووسعت خلال السنوات الأخيرة ذلك الوجود كما ونوعا وامتدادا جغرافيا مستفيدة من حالة الوفاق بشأن مواجهة حزب العمال مع السلطة الاتحادية العراقية وكذلك مع سلطات الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق، الأمر الذي مثل دائما مصدر قلق ومثار احتجاج واعتراضات قوى عراقية شيعية بالأساس معروفة بموالاتها لإيران، ومتوجسة بالنتيجة من توسع النفوذ التركي في العراق والذي تعتبره خصما من رصيد النفوذ الإيراني في البلد.
وعملت القوات التركية بلا هوادة على محاولة اجتثاث مقاتلي حزب العمال خصوصا من أماكن تواجدهم الرئيسية في المناطق الجبلية شديدة الوعورة في كردستان العراق، وبادرت لأجل ذلك بإقامة عدد كبير من القواعد والنقاط العسكرية وربطها بشبكة من المسالك الممتدة أيضا صوب الأراضي التركية.
وتقدّر مصادر عسكرية واستخباراتية عدد المواقع العسكرية التركية بشمال العراق بأكثر من ثمانين موقعا، تضم حوالي خمسة آلاف فرد بين جنود وضباط.
العملية السلمية المفترضة لا تزال تفتقر للكثير من التفاصيل العملية التي قد ينطوي بعضها على عوائق وصعوبات يمكن أن تؤدّي إلى نسف المسار
وسجل مؤخرا تطور طفيف في ملف السلام بين تركيا وحزب العمال عندما تم الكشف لأول مرّة عن الشروع في مناقشة موضوع مصير أعضاء الحزب وقياداته وأيضا نزع سلاحه الذي يمثل الموضوع الأساسي والمصيري في إنجاح المسار والمضي به قدما أو إفشاله وانتكاسه، بالنظر إلى صعوبة التفاصيل الكامنة داخله وما سيثيره من خلافات لم تتأخّر أولى بوادرها في الظهور.
وتتّجه الأنظار إلى الأدوار التي سيلعبها العراق بحكومته الاتحادية وبسلطات الحكم الذاتي في إقليم كردستان في حلحلة هذا الموضوع الشائك بالنظر إلى كون البلد معنيا مباشرة بملف الحزب الذي أدار أهم الحلقات من حربه الطويلة ضد القوات التركية من داخل الأراضي العراقية.
وبينما بدأت قيادات في حزب العمّال بطرح بعض الاشتراطات على الجانب التركي بشأن موضوع السلاح الشائك والحساس، شرعت جهات تركية وشخصيات سياسية في تقديم تصوراتها بشأن تفاصيل السلام ومقتضياته العملية.
ودعا وزير الخارجية التركي الأسبق رئيس حزب المستقبل التركي أحمد داود أوغلو، خلال زيارة قام بها مؤخّرا إلى إقليم كردستان العراق، إلى إدماج الأبرياء الذين هم ضمن صفوف حزب العمال الكردستاني وإعادة تأهيلهم، في مقابل بقاء كبار قادة الحزب تحت المراقبة في دولة ما، مشدّدا على ضرورة تفكيك الهيكل الاقتصادي لحزب العمال الكردستاني.