لم يكن القصف الذي طال مواقع داخل الأراضي الايرانية مجرد حدث عابر في سياق التصعيد الاقليمي، بل شكّل جرس إنذار في لبنان، الذي سرعان ما ارتفعت فيه الأصوات الرافضة لتحويل أراضيه إلى منصة لأي رد محتمل، سواء من إيران مباشرة أو عبر حلفائها. وفيما يعيش اللبنانيون على وقع أزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، وعلى استهدافات بين الحين والآخر لقيادات في “حزب الله” ومناطقه، فإن شبح الحرب يبدو كابوساً مرفوضاً بالإجماع، حتى في أوساط البيئة التقليدية لمحور المقاومة.
مصادر مطلعة على أجواء الثنائي الشيعي أكدت لموقع “لبنان الكبير” أن لا رغبة جدية في التصعيد من الجانب اللبناني، مشيرةً إلى أن “القيادة تتعامل مع التطورات بكثير من الحذر، وتدرك أن أي خطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى حرب شاملة لا تُرغب في هذه المرحلة”.
وأضافت المصادر: “حتى داخل القاعدة الشعبية للحزبين، هناك رفض واسع لفكرة التورط في أي مواجهة عسكرية لمجرد الرد على استهداف إيران! وهناك شعور بأن طهران لم تقم بما يكفي عندما استُهدف لبنان مراراً، وبالتالي لا حماسة لدى الناس لمغامرة جديدة يدفعون هم ثمنها”.
الشارع يرفض الحرب ويرفع الصوت
وعبّر مواطنون من مختلف المناطق اللبنانية في أحاديث مع “لبنان الكبير”، عن قلقهم الشديد من جر البلاد إلى حرب جديدة لا طاقة لها بها. يقول أحمد، وهو موظف من بيروت: “لقد دفعنا ثمناً باهظاً في حروب سابقة، ولم نجنِ منها إلا الدمار والانهيار، واليوم نرفض أن يكون لبنان صندوق بريد لتصفية الحسابات بين إيران وإسرائيل.”
أما هدى، وهي معلمة من الجنوب فتخشى “أن يُستخدم الجنوب منطلقاً لرد عسكري يُعرض أهلنا وبيوتنا للخطر”، مؤكدة “نحن نرفض الحرب، ونطالب جميع الأطراف بتحييد لبنان، فهو لا يحتمل المزيد من النزيف.”
ويرى حسين، من البقاع، أن “لا مبرر لاستخدام الأراضي اللبنانية للرد حتى لو كانت إيران هي المستهدفة. طهران لم تقدم شيئا حقيقياً للبنان خلال اعتداءات إسرائيل الأخيرة، فلماذا ندفع نحن اليوم ثمن معاركها؟”.
الحياد خيار الناس
في خضم هذا المشهد، تعلو مجدداً دعوات الحياد الايجابي، وإن بصيغة شعبية أكثر منها رسمية، فالرغبة في عدم التورط لا تعبّر عن ضعف، بقدر ما تعكس نضجاً ووعياً لحجم المخاطر المحيطة. وأكدت مصادر سياسية لـ”لبنان الكبير” أن “نسبة كبيرة من المواطنين تجمع على فكرة الحياد مع عدم التخلي عن دعم القضية الفلسطينية، وهي ليست مع فتح جبهات من لبنان وتحمل تبعات جديدة”.
بين الاستهداف الايراني المحتمل والردود المنتظرة، يقف لبنان على حافة الخطر، لكن صوت الناس واضح: “لا للحرب، نعم للحياد”. فهل يصغي أصحاب القرار إلى هذا الصوت أم أن البلد سيُزج مجدداً في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل سوى الدمار والخسائر؟