استيقظ العالم صبيحة الجمعة 13 حزيران 2025، على زلزال عسكري سرعان ما ستظهر نتائجه السياسية، وتنعكس على العالم عموماً والدول العربية خصوصاً. فماذا في المحصّلة الأوّليّة؟
ما قامت به إسرائيل من هجمات على مواقع نووية وعسكرية إيرانية أصاب إيران في مقتل باستهدافها ستّة إلى تسعة علماء نوويّين وعدداً من القيادات العسكرية العليا يقوم النظام الإيراني عمليّاً عليهم.
عمليّاً، الهجوم الإسرائيلي على إيران دعوة صريحة إلى حرب مباشرة بين العدوّين: إسرائيل وإيران، إلى نزع الأقنعة، والقتال باللحم الحيّ، لا بلحم الوكلاء.
حرب بلا أذرع أو أقنعة
العدوّان اللدودان، إسرائيل وإيران، يتقاتلان منذ نصف قرن إلّا نيّفاً في مختلف ساحات القتال في الشرق الأوسط، غير آبهين بالدول المجاورة والمحيطة ولا بسيادتها أو خصوصيّتها. الهجوم الإسرائيلي يعلن صراحةً أنّ الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط قد ولّت إلى غير رجعة. الحرب اليوم حرب مباشرة بين إسرائيل ومن خلفها الولايات المتّحدة الأميركية، أو بين أميركا وفي مقدَّمها إسرائيل، وإيران. لا وكلاء أو بدلاء. ولا ساحات للمواجهة إلّا ساحة المعركة الحقيقية: الأراضي الفلسطينية المحتلّة والأراضي الإيرانية.
إذا كان من استنتاج أوّليّ أو خلاصة أوّليّة لمجريات الأمور حتّى اللحظة، سواء ردّت إيران أو لم تردّ، ومهما بلغ حجم الردّ، فهو انتهاء محور الممانعة إلى الأبد. المحور الذي كان يبدأ من إيران ولا ينتهي في اليمن، مهدِّداً بين الحين والآخر بإزالة إسرائيل في سبع دقائق ونصف، لم يبقَ منه سوى الرأس، وها هو ذا يُستهدف.
جردة أوّليّة
حركتا “حماس” و “الجهاد” الإسلاميّتان تعرّضتا لأعنف هجوم إسرائيلي منذ تأسيسهما، ومُنيتا بخسائر تحتاجان إلى وقت طويل لحصرها وإحصائها. فحلّ الدولتين انتهى، وقطاع غزّة دُمّر تدميراً لا أمل في قيامته بناءً على المعطيات الميدانية وعلى المعلَن من سياسات دوليّة حتّى الآن، وأبرزها ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “ريفييرا” الشرق الأوسط التي يريد إنشاءها على أراضي القطاع.
العدوّان اللدودان، إسرائيل وإيران، يتقاتلان منذ نصف قرن إلّا نيّفاً في مختلف ساحات القتال في الشرق الأوسط، غير آبهين بالدول المجاورة والمحيطة
“الحزب”، في لبنان، تعرّض لضربات قاصمة، بشريّاً وعسكريّاً، وذلك باستهداف قادته من الصفوف الأولى كلّها، من رأس الهرم (اغتيال الأمين العامّ السيّد حسن نصرالله وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين وقادته العسكريين بغالبيّتهم الغالبة)، وتدمير قسم كبير من ترسانته العسكرية، وفُرض عليه وقف لإطلاق النار عمليّاً من طرف واحد.
إسرائيل
أيضاً لم تتوقّف الخسائر عليه، فقد طالت لبنان بكامله دولةً واقتصاداً وشعباً. إلى ذلك لا يزال قسم لا يستهان به من أراضيه محتلّاً، وقد أُقيمت على تلال عدّة في أقصى جنوبه مواقع عسكرية تضيف إلى أراضيه المحتلّة (مزارع شبعا وجوارها) أراضي جديدة، علاوة على استباحة أجوائه برّاً وبحراً وجوّاً واستهداف أبنائه المشتبه بعلاقتهم بـ”الحزب”، عند الحاجة وحسب الرغبة الإسرائيلية.
انفراط العقد
فصائل “الحشد الشعبي” العراقية لجمت نفسها بنفسها، ونأت باكراً عن مجريات المواجهة غير المباشرة بين إيران وأميركا. لا يمكن الآن حصر خسائر تدخّلها حتّى ينجلي غبار المعركة الأخيرة القائمة حاليّاً.
أمّا واسطة العقد، أي النظام السوري، فقد انهار بين ليلة وضحاها عقب إعلان وقف إطلاق النار بين “الحزب” وإسرائيل. وبانهياره تكون خطوط النظام الإيراني للوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة أو إلى تخومها، قد انقطعت. كذلك خطوط إمداد الحلفاء، أو الوكلاء.
وحدهم الحوثيون في اليمن لا يزالون يطلقون الصواريخ التضامنيّة والداعمة لحركة “حماس” والفلسطينيين في قطاع غزّة، من دون نتائج عسكرية تُذكر. فصحيح أنّ الصواريخ الحوثية تصل إلى عمق إسرائيل وإلى عاصمتها تل أبيب ومطار بن غوريون، إلّا أنّ خسائرها تنحصر في الاقتصاد، بسبب تعطيل حركة الملاحة الجوّية والبحريّة. لكنّها إلى الآن لم تلجم إسرائيل، ولا ردعتها ولا حالت دون مواصلتها عدوانها على ما بقي من أضلاع المحور. وهذا طبعاً من دون التعريج على خسائر اليمن جرّاء الضربات الإسرائيلية والأميركية التي طالت مواقع كثيرة فيه.
الهجوم الإسرائيلي على إيران دعوة صريحة إلى حرب مباشرة بين العدوّين
تؤكّد ما سبق البيانات الصادرة عن أعضاء المحور من حركة الجهاد إلى “الحزب” في لبنان، من شجب واستنكار وإدانة لما جرى مع تصريح بالإحجام عن دخول المعركة، من دون ذكر الأسباب الواضحة للعيان.
ماذا عن الغد؟
من اليوم وصاعداً، على مكوّنات المحور، أو على جموع مؤيّدي أعضائه لمزيد من الدقّة، التفكير في اتّجاه آخر. ربّما أسهل الطرق الاندماج في المجتمعات والانتظام في الكيانات والدول التي يعيشون فيها وحالوا لعقود دون ازدهارها وتطوّرها، راهنين مصائرها للأقدار، ورابطين مستقبلها بنتائج المواجهة مع إسرائيل.
“امشِ عدل يحتار عدوّك فيك”، يقول المثل المصري الشائع. ربّما يكمن الحلّ هنا. القوانين والمواثيق الدولية قد تكون أسهل الطرق إلى فلسطين. الاقتصاد سيف أشدّ وطأةً من الرصاصة والمدفع والصاروخ. الازدهار الاقتصادي والتطوّر التكنولوجي والمعرفة، أيضاً سبلٌ إلى تحرير الأرض العربية والإنسان العربي. جرّبنا السلاح لمئة عام إلّا نيّفاً وما حصدنا سوى الدمار والتخلّف عن ركب التطوّر واستعباد الشعوب وإذلالها ومصادرة حرّيتها وتجويعها. لم لا نجرّب غيره؟
إقرأ أيضاً: ترامب خدَع خامنئي؟
في المحصّلة، وأيّاً يكن الردّ الإيراني، لم يبقَ أمام “بقايا” المحور، وأمام الشعوب والدول والأحزاب والفصائل العربية، خيار آخر. ما جرى منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، لم يُبقِ أمام المحور أو ما بقي منه، مجالاً للمفاضلة والاختيار. أوّل خطوة نحو الانتصار الاعتراف بالهزيمة، ثمّ استخلاص العبر منها. فمن يجرؤ؟