في البدء، هي الحرب التي طال انتظارها وتمني إشتعالها، طوال اكثر من نصف قرن من الحروب بالوكالة، والتي لا تشبه سوى حرب العراق العام 2003، والتي لن يحسمها، هذه المرة أيضاً، سوى التدخل الأميركي العلني غير الممّوه، بألوان العلم الإسرائيلي والشعارات والرموز التوراتية، كما هو حاصل اليوم.. ويهدف فقط الى إنكار حقيقة أن الاميركيين يستلهمون تلك الحرب التي مضى عليها 22 عاماً، بقدر ما ينسخ الإيرانيون اليوم تجربة صدام حسين..التي لم تدم سوى 15 يوماً من القتال، وهو التقدير نفسه الذي حدده الإسرائيليون لانهاء الحرب الراهنة.
الفارق الوحيد هو أن الاميركيين، الذين يديرون الحرب الراهنة بشكل مباشر ومن غرفة عمليات واحدة تشرف على أسراب سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخه، التي تبدو الآن وكأنها طلائع الجيش الاميركي، لم يرفعوا حتى الآن شعار إسقاط نظام صدام، ولا بناء الدولة الديموقراطية في العراق، ولم يحاولوا (حتى الآن) قتل المرشد الإيراني علي خامنئي. لكنهم حددوا ساعة الصفر، بعد مهلة الستين يوماً التي أعلنها رئيسهم دونالد ترامب، وسربوا معلومات شبيهة بقصة السلاح الكيماوي العراقي، عن قرب وصول إيران الى حافة انتاج أول قنبلة نووية، تتناقض مع تقرير إستخباراتي أميركي صادر في شهر نيسان أبريل الماضي، يؤكد أن برنامج إيران النووي، لا يملك القدرة ولا الرغبة في التحول الى برنامج عسكري.
لكن إيران البريئة من التسلح النووي، أو حتى السعي اليه، كانت من الحماقة بحيث نسيت كما يبدو تجربة صدام القاتلة، على الرغم من أنها كانت يومها شريكة الاميركيين والتحالف العربي والدولي الذي شكلوه لغزو العراق، وتناست أن قيمتها “الاستراتيجية” تضاءلت منذ طوفان الأقصى الفلسطيني، في خريف العام 2023، بل قبل ذلك بسنوات منذ خروجها من سوريا على خلاف مع طاغيتها السابق بشار الأسد، حول 50 مليار دولار أنفقتها عليه لمنع سقوط نظامه، وما زالت تطالب بها حتى اليوم.
ولعل إيران صدقت أيضاً أن ترامب الذي أحرق لبنان ودمّر اليمن، هو رجل عقارات مسالم، لا يحب الحروب ولا يريد التورط بها.. وكل ما يبغيه هو التطوير العقاري، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي، الذي تكاد الصين تحوله الى سلعة مجانية، وتوزع برامجه وتطبيقاته كهدايا على زبائنها. أو لعلها آمنت بالمزاعم الشائعة عن مهاراته الدبلوماسية والتفاوضية، بحيث لم تدرك أنها إنما استدعيت الى مسقط وروما وغيرهما، لكي تدفع ثمن هزائم حلفائها العرب، لا لكي تتوقع اتفاقاً نووياً جديداً يعادل الاتفاق السابق الموقع العام 2015.
لن تعترف إيران على الارجح أنها إنما سلحت هؤلاء الحلفاء العرب وجعلتهم فرقاً انتحارية تقاتل خارج أراضيها دفاعاً عن المدن الإيرانية نفسها، فقط لأنها لا تملك من القدرات والكفاءات العسكرية والتقنية، التي تؤهلها للدفاع عن تلك المدن وحمايتها من الداخل.. بحيث كشف اليوم الأول من الحرب الراهنة قدراً فاضحاً من الضعف العسكري، أتاح للاميركيين والإسرائيليين تحقيق اختراقات واسعة للداخل الإيراني، براً وجواً، ما أعاد الى الاذهان صور الضاحية الجنوبية لبيروت التي كانت المسيرات الإسرائيلية ولا تزال تتنزه في سمائها ليل نهار..والتكرار الحرفي للاغتيالات التي افتتحت فجر الجمعة الحرب على ايران، والتي لم تختتم بعد الحرب على لبنان.
حتى ولو صمدت إيران الخامنئي أكثر من عراق صدام، فإن الفضيحة قد حصلت، والهزيمة قد تمت، ولن يتأخر الثمن الذي ستدفعه القيادة الإيرانية الحالية عن حماقاتها المتواصلة منذ ان كانت ثورتها “الإسلامية” في العام 1979 رجوعاً في حركة التاريخ الإسلامي الشيعي والسني، حَرَف المسيرة الإيرانية عن وجهتها ، وخرّب أربع أو خمس دول عربية ما زالت تدفع الثمن حتى اليوم.
بيروت في 14 / 6 / 2025