ملخص
لم يكن الحديث عن المصير الغامض لإسماعيل قاآني هو الأول من نوعه، إذ تداولت تقارير في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، أنباء غير مؤكدة عن اغتياله بضربات إسرائيلية على لبنان، بالتزامن مع اختراقات أمنية أدت حينها إلى اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، أو لأسباب أمنية تتعلق بالتحقيق معه بدعوى التجسس، ولكنه ظهر مجدداً ليدحض كل هذه الأنباء.
تضاربت الأنباء حول مصرع قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، في الضربة الإسرائيلية التي شُنت على إيران أخيراً، فيما غبارها لم ينقشع من كلا جبهتي الصد أو الرد المتبادلتين بين تل أبيب وطهران، ولعل قاآني من أبرز الشخصيات العسكرية المستهدفة، حيث أثار الحديث عن مصرعه أو نجاته من الهجمات جدلاً خلال الساعات الأخيرة الساخنة.
ولم يكن ذلك الحديث عن مصيره المتضارب والغامض هو الأول من نوعه، إذ تداولت تقارير في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، أنباء غير مؤكدة عن اغتياله بضربات إسرائيلية على لبنان، بالتزامن مع اختراقات أمنية أدت حينها إلى اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، أو لأسباب أمنية تتعلق بالتحقيق معه بدعوى التجسس، ولكنه ظهر مجدداً ليدحض كل هذه الأنباء.
ويعد قآاني، وهو خليفة قاسم سليماني، من أبرز القادة العسكريين في إيران، وعينه المرشد في يناير (كانون الثاني) 2020 بعد استهداف سليماني بعملية اغتيال نوعية، كما أنه إحدى أكثر الشخصيات التي تطلبها تل أبيب وتضعها على لوائح الموت، لذا تحاط تحركاته بالسرية الشديدة، وهو قليل الظهور الإعلامي.
لقاء سري
في معرض الحديث عن إسماعيل قاآني (مواليد 1957) نستعرض تفاصيل أبرز الاجتماعات السرية الاستخباراتية التي جمعته مع وفد أمني سوري زار طهران في الـ24 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، والتقى شخصيات من كبار قادة أجهزة الاستخبارات والحرس الثوري، وحصلت “اندبندنت عربية” على تفاصيل الاجتماع الذي دار بين قاآني والوفد السوري في طهران، والذي انعقد قبل أيام قليلة فقط من اندلاع عملية “ردع العدوان” في الـ27 من نوفمبر، وأدت إلى تحرير مدينة حلب شمال سوريا من قوات النظام، ومن ثم هرب الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024.
إسرائيل تنوي مهاجمة إيران والحرس الثوري يتوعد بالرد
الاجتماع الأمني جرى بسرية تامة في أحد المقرات التابعة للحرس الثوري، وكان بشار الأسد على اطلاع بتفاصيله قبل هربه من البلاد إلى روسيا، وأبرز ما جاء به تمحور حول تقديم الدعم لسوريا، فضلاً عن ملفات تتعلق بقوات العشائر السورية، وقضية الكرد، وعمليات التفاوض مع الأتراك والقطريين بغية الدفع بعملية تفاوض وتنسيق لاجتماعات عالية المستوى.
إزاء ذلك تشير المعلومات المتوفرة إلى تأكيد قائد “فيلق القدس” خلال الاجتماع على وقوف إيران وروسيا إلى جانب سوريا (في ظل حكم الأسد)، وأن “حزب الله” سيستمر بتنفيذ خططه كصاحب الدور الرئيس بالميدان في لبنان.
وتطرق الاجتماع إلى المشكلات الموجودة في سوريا، وقال قاآني بوجود مساعٍ لحل مشكلات العشائر والأكراد، مضيفاً “هم يعرفون أنه يجب عليهم حلّ هذه المشكلات من طريق الدولة السورية”.
دفع عجلة التفاوض
اللافت للنظر عدم تطرق الاجتماع المنعقد قبل أيام من عملية “ردع العدوان” إلى أي تهديدات أمنية من الشمال السوري، بل دار حول دفع المفاوضات مع القطريين، وجاء في حديث قاآني “أن الاجتماعات مع القطريين مثمرة، ويجب أن تستمر، ويمكن استئنافها لحل المشكلات معهم، وهم يعرفون أنهم أخطأوا بموقفهم، ويريدون تصحيح هذا الخطأ، ويبدو أن حل المشكلة مع قطر سيسهم بحل المشكلات مع المسلحين، وفي ما يتعلق بالأتراك فهم لا يزالون يريدون أن يلعبوا ببعض المواضيع، وهم مستعدون في هذه الظروف لإعادة العلاقات مع سوريا، ويعلمون أن المسلحين في الشمال من الممكن أن يشكلوا بعض المشكلات لتركيا”.
ولم يخف رجل “الحرس الثوري” في الاجتماع دعم بلاده للسوريين في هذه المواضيع في وقت حرج، إذ تشي المعلومات بتحضيرات قبل أشهر تعمل عليها سلطة أمر الواقع في إدلب (هيئة تحرير الشام) بقيادة أحمد الشرع، المعروف بقربه من إسطنبول قبل أن يصبح رئيساً للدولة في سوريا ويقود حكومتها الانتقالية بعد إسقاط الأسد.
2 (3).jpg
مقر السفارة الإيرانية في دمشق وفي الواجهة صورة محطمة لقاسم سليماني (اندبندنت عربية)
في المقابل أفصح الوفد السوري عن عقد ثلاثة لقاءات مع الجانب القطري برعاية إيرانية، وعلى رغم عدم تحقيق نتائج مثمرة “بقينا مستمرين بعقد اللقاءات، وطلبنا رفع تمثيل سوريا في تلك اللقاءات لتكون على مستوى رؤساء الأجهزة، ووعد الجانب القطري بأن يكون ذلك خلال اللقاء المقبل”.
وأضاف الوفد الأمني السوري (في عهد الأسد) “لاحظنا أن القطريين يريدون التدخل في الشأن السوري، ويبحثون عن دور لهم، كما أنهم ينسقون مع الأتراك، وهذا سبب مماطلتهم، وهم يجتمعون معنا نتيجة الضغط الإيراني”.
خطوة متأخرة للأمام
في غضون ذلك بدا وفد الاستخبارات السوري خلال الاجتماع متلهفاً لانتزاع أية خطوة في طريق المفاوضات سواء مع أنقرة أو الدوحة، وكشف محضر الاجتماع (السري للغاية) عن فتح دمشق قنوات تواصل مع تركيا من طريق موسكو، وحل مشكلات الفصائل المسلحة بإجراء تسويات معها، وإخراج المسلحين الأجانب من شمال سوريا إلى حيث أتوا، مع القضاء على المسلحين من الرؤوس “الحامية”.
ومع كل هذا الدفع من قبل الوفد الأمني، والإلحاح بترتيب المفاوضات وتحريكها، فإنهم ألحوا على قاآني أن تكون عودة العلاقات مع تركيا مرتبطة بالانسحاب من الأراضي السورية، وعندما يصبح الانسحاب كاملاً تعود العلاقات بصورة كاملة كما كانت.
4 (3).jpg
مقر الإدارة العامة للاستخبارات في سوريا (اندبندنت عربية)
وأظهر الوفد توجسه من بناء قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ما يقارب 30 برج مراقبة على نهر الفرات مشابهة للأبراج الإسرائيلية، وتمتد من البوكمال حتى دير الزور لمراقبة ما وصف بـ”قوات العشائر وقوات الأصدقاء”، والمقصود بهم الميليشيات الإيرانية والحليفة لها.
في الأثناء لم تكن الزيارة الأخيرة للوفد الأمني السوري لقاآني مرتبطة بتفاصيل استخباراتية، بل بدا التدخل الإيراني في الشأن الداخلي السوري جلياً حتى في شأن مواسم القمح، إذ رأى قائد “فيلق القدس” أنه يجب التخطيط لنقل القمح فضلاً عن النفط الذي يباع بأثمان قليلة.
وأردف في سياق حديثه مع الوفد “يمكن التخطيط لشرائه عبر الوسطاء أو المهربين، وليس بصورة مباشرة، لأنه في النهاية سيصل تركيا، وفي حال قبول الفكرة يمكن المساعدة بتحديد أشخاص يمكنهم شراء القمح والنفط من (قسد)”.
بالنتيجة خرجت كافة الميليشيات الإيرانية من دمشق وبقية التراب السوري مع عملية تحرير البلاد من نظام البعث (1970 ـ 2024)، ويرى مراقبون في الميدان السوري أن طهران خسرت الساحة السورية واللبنانية، وهو ما أفقدها أذرعاً فاعلة في الحرب الأخيرة التي تدور حالياً، إذ كانت هذه الساحات ستمثل منصات إطلاق صواريخ قريبة من جبهة إسرائيل الشمالية عبر مناطق متاخمة للجولان أو الجنوب اللبناني.